1. قدح اللبن وأبوهريرة
كان أبوهريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أهل الصفّة وهم فقراء ليس لهم مال ولا أهل ولاجاه, ويحكي أبو هريرة هذه المعجزة فيقول: والله اني كنت أشعر بالجوع الشديد, وكنت أضع الحجر على بطني من الجوع, ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمّر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل, وما سألته الا ليطلب مني أن أتبعه الى داره فيطعمني, فلم يفعل أبو بكر, فمرّ عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله تعالى وما سألته الا ليطلب مني أن أتبعه الى داره فيطعمني, فلم يفعل, ومرّ الرسول عليه الصلاة والسلام, فعرف ما في وجهي, وتبين له ما في نفسي فقال:" يا أبا هريرة" قلت: لبيك يا رسول الله فقال:" الحق" فلحقت به وعند داره استأذنت فأذن فوجدت لبنا في قدح, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من أين لكم هذا اللبن؟
فقالوا: أهداه لنا فلان أو آل فلان, قال الرسول ينادي أبا هريرة: "أبا هرّ".
قلت لبيك يا رسول الله.
قال:"انطلق الى أهل الصفة فادعهم لي".
فقال أبو هريرة: وأهل الصفة هم أضياف الاسلام لم يأووا الى أهل, ولا مال, فاذا جاءت هدية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ منها وبعث اليهم منها, وأحزنني ذلك وكنت أرجو أن أشرب من اللبن على الفور شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي, وقلت: أنا الرسول المرسل اليهم من الرسول صلى الله عليه وسلم فاذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم, وقلت ما يبقى من هذا اللبن بعد أن يشربوا معظمه ان لم يكن كله؟
هكذا كان الجوع يتملك من أبي هريرةحتى انه خشي ان لا يجد من قدح اللبن هذا ما يكفيه شربة واحدة اذ سيشاركه فيه أهل الصفة وهوعدد لا بأس به.
قال أبو هريرة: ولم يكن أمامي شيء غير طاعة الله ورسوله, فانطلقت الى أهل الصفّة فدعوتهم فأقبلوا واستأذنوا فأخذوا مجالسهم من البيت, بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أبا هريرة خذ قدح اللبن فأعطهم" فأخذت القدح فجعلت أعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى, ثم يرد القدح بعد أن يروى حتى وصلت الى آخرهم, ثم توجهت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعت اليه فأخذ قدح اللبن بيده وقد بقي قليل من فضلة, ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ونظر الى أبي هريرة وابتسم, وقال: "أبا هريرة".
فقال أبوهريرة: لبيك يا رسول الله.
قال عليه الصلاة والسلام: "بقيت أنا وأنت".
فقال أبو هريرة: صدقت يا رسول الله.
قال عليه الصلاة والسلام:"فاقعد واشرب".
جلس أبو هريرة وأمسك بقدح اللبن, فشرب, ولما رفع أبو هريرة القدح عن فمه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشرب" فيشرب أبو هريرة وكلما رفع القدح أعاده له رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:" اشرب" وظل يقول له:" اشرب اشرب" حتى ارتوى أبو هريرة رضي الله عنه تماما وذهب عن نفسه الجوع الذي أصابه بألم شديد في أمعائه وقال له رسول الله صلى الله غليه وسلم:" اشرب يا أبا هريرة" فقال أبو هريرة: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له فيّ مسلكا, قال:" ناولوني القدح".
فأعطى أبو هريرة القدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي آية النبوة المحمدية, اذ أن قدحا من اللبن لا يكاد يروي رجلا أو غلاما صغيرا, أصبح في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي جماعة من الناس كلهم أصابهم الجوع.
انها معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم, ثم يأتي الأدب النبوي فينتظر صلواته وسلامه عليه أن يشرب الجميع فيشرب هو من القدح.