القوات الخاصة مشرف منتدى الفن الساخر والكاركتير
تاريخ التسجيل : 27/10/2009 عدد الرسائل : 563 تاريخ الميلاد : 15/04/1982 العمر : 42 مالطا المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : سوري الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الهواية: (50/50)
| موضوع: الواقع سيئ, لماذا ينبغي أن نكون سيئين.. السبت فبراير 27, 2010 4:15 pm | |
| ياسين الحاج صالح :
لو نخفف من الغضب قليلا. ومن الجزع. لا لأن أوضاعنا، كيفما جرى تعريفنا، بريئة من كل سوء، ولا لأنها توافق ما نرضى. ولكن لأن الغضب والجزع أمسيا عائقين دون التفاعل النفسي والفكري السوي مع الواقع. لجيلين منا تقريبا، استقر الجزع من المستقبل والغضب من الحاضر قالبين ذهنيين لا يستقبلان من الوقائع غير ما ينتظم فيهما بسلاسة ويصون استقرارهما، ويستبسلان لتأويل أو إغفال ما لا ينتظم ضمن خانة السيئ والفاسد والمتدهور. هذا حتى لو لم نشتبه أن جانبا من انفعالاتنا السلبية هذه لا يرجع بأصله إلى سوء الواقع وحده، بل إلى تعثر أو إحباط إرادة نخب سياسية وثقافية تشكيله وفق صور ذهنية تخصها، وتضمن لها مواقع نافذة في تعريفه وقيادته. نتصرف كالطفل المدلل الذي يعيش ملكا في عالم رغباته. فإن خذل الواقع رغباتنا، ضربنا الأرض بأقدامنا غضبا، فإن لم يستجب شتمناه و.. بكينا. نبدأ بالغضب والهياج. مع الزمن يخمد الهياج ويؤول الغضب إلى عادة، فيكف عن كونه انفعالا حيا. يغدو طقسا وشعارا، يقول الكثير عن محترفيه والقليل عن الواقع. وإذ هو منتشر وعام، يمسي ثقافة. ثقافتنا اليوم غاضبة، مريضة بالغضب، متسممة به، إلى درجة أن التمرد عليها وحده هو ما قد يتيح للمرء الحفاظ على صحته وصفاء مزاجه و...قدرته على الغضب. هذا لأن الغضب الذي يتحقق في عادة وثقافة، الذي يصير تقليدا مستقرا، يزول كانفعال حار جديد، ككسر حاد للعادة وانفلات من ضوابط الثقافة. الثقافة الغاضبة تقرر أنها على حق طوال الوقت، أي أن الحق جوهرها، فلا تكاد تغضب لحق يُنتهك، لأنها تسلم بأنه مُنتهك دوما. وسوف تحتاج إلى انتهاك الحق كي تدوم، وإلى سوء الواقع كي تستمر. ينتهي الغضب على هذا النحو إلى تذمر واكتئاب وشكوى من العالم. إلى نكد وتطلب للنكد. وإلى ثقل دم وبلادة يمنعان السخرية. الغاضب ملتصق بنفسه، متواطئ معها ضد الواقع. السخرية تنبثق من التواطؤ مع الواقع ضد النفس. على أن الواقع سيء فعلا. الإجماع دليل على الصواب هنا. إذا قال القوميون والإسلاميون والشيوعيون والليبراليون والعلمانيون، والسلطات نفسها، أن الواقع سيء، فالأكيد أنه سيء. لكن هناك واحدة من صيغتين ممكنتين للتعامل مع السيئ. صيغة منكودة، تتمثل في أن ندخل رؤوسنا في الواقع السيئ، فنختنق، فنغضب، فنتسمم بالغضب، فندمن "النق" والنكد والتنكيد، وما تنتهي إليه هذه الانفعالات من فتور نفسي وذهني وتبلّد للحساسية وعجز عن التفاعل حتى مع غير السيئ أو مع درجات السوء المتفاوتة. هذه صيغة جبانة ومتخاذلة. ونفترض أن هناك صيغة شجاعة، تتمثل في أن "نخرج رؤوسنا من الواقع لا أن نخرج الواقع من رؤوسنا"، على قول ألماني مشهور من القرن 19؛ أو لنقل أن نقبل الواقع ونصبر عليه وننضبط به ونحترمه ونحاول التعرف على "أسراره" و"قوانينه"، ونصارعه معه و..نعمل على تغييره. هذه صيغة ملحمية، بل مأساوية. سوء الواقع يمكن أن يكون "لحظة" في تطوير حس ووعي مأساويين بالواقع، من شأنهما أن يثمرا إنسانية أغنى وثقافة أرفع. عبر التمرس بثقل الواقع وممانعته، وعبر احترامه والتعلم من "حكمته"، يغتني تفكيرنا ووجداننا. الواقع حكيم. ألا يخطر ببالنا أحيانا أن من حسن الحظ أنه لا يساير أفكارنا ورغباتنا، وأنه لو فعل لكان كارثة علينا قبل غيرنا؟ الثقافة هي اختبار هذا الواقع، تعلم حكمته أو تقريب عقلنا الذاتي من عقله الموضوعي. في ثقافتنا المعاصرة احتقار طائش للواقع. ليس رفضا سياسيا وأخلاقيا له فقط، بل وإنكار لجدارته بالمعرفة. الوقائع محرومة من المواطنة المعرفية، مجردة من شخصيتها ومن حقها في إبداء الرأي وما قد يؤدي إليه من تعديل في تصوراتنا. حالها في مملكة المعرفة مثل حالنا في ممالك السياسة: لسنا مواطنين، لا رأي لنا. هل من المحتمل أن تتعدل سياستنا ويعترف بنا كمواطنين دون أن يتعدل دستور معرفتنا ونعترف بأن الوقائع "مواطنون لا رعايا"؟ الواقع صلب. الوقائع عنيدة، على قول الانكليز. اختبار الصلابة تلك والعناد هذا غريبان علينا. انتقلنا من مجتمع ما قبل حداثي يعيش في عوالمه الذهنية الموروثة وتقاليده القارة، إلى عالم حداثي منشغل كثيرا بتغيير الواقع، ولعلنا نلج اليوم عالما ما بعد حداثي يحتفي بـ"السرديات" أكثر من التاريخ، ويجعل الواقع "بناءا اجتماعيا" ويغرقه في النسبية، فينصب حواجز دون اختبار صلابته وممانعته. اختبار الصلابة هذا، "القدر" بالمفهوم اليوناني، هو أساس الحس المأساوي. يغلب الميلودرامي في ثقافتنا لأننا نفترض الواقع صلصالا قابلا لكل صورة، وننسب الصلابة لأفكارنا وتطلعاتنا؛ حتى إذا تكشف الواقع قاسيا واصطدمت أفكارنا وإرادتنا به ننفعل ونغضب، ثم نكتئب ونتذمر، ثم نرضخ ونستكين. هذا مسلك خفيف، ميلودرامي، ومتخاذل. يلزم أن نكون أكثر "قدرية"، أكثر احتراما للواقع، وأكثر سخرية من أنفسنا. هذا موقف محافظ عرضيا لكنه تغييري في العمق. تنويعة المواقف المتاحة اليوم بالعكس تغيرية عرضيا لكنها محافظة جوهريا، وشرسة في محافظتها. فإذ هي ترفض الواقع رفضا ذاتيا، وإذ تغضب وترفس بقدميها لأنه لا يتغير (بدل أن تغير شيئا من نفسها)، فإنها تضيق مساحتها النفسية وقدرتها على التفاعل النفسي والعقلي مع الواقع، تكره ذاتها وتنمي في ذاتها روحا عدائية عنيفة لكل ما حولها. ومن حيث هي ترفض الواقع السيئ تنتهي إلى أن تشبهه تماما. لماذا احترام الواقع تغييري جوهريا؟ لأنه أساس الحس المأساوي والساخر معا، أي الإنسان الذي يصارع واقعا يحترمه، فإما يخسر فيرتفع إنسانيا وثقافيا، أو يكسب فيحقق طفرة اجتماعية وسياسية. هذا فوق أن الصبر على الواقع واحترامه هو ما يتيح التعرف عليه في كليته، في تعدد أبعاده وتفاوت أزمنته وأعماقه. التغيير هنا أصعب، لكنه إن تحقق يكون أوسع وأكثر جذرية. نبدأ من احترام الواقع السيئ (أي من تغيير أنفسنا) وننتهي إلى تغييره. تعمدنا استخدام مفردات صادمة: "قدرية"، احترام الواقع". هذا من باب التركيز على وجه من وجوه الصراع مع الواقع، قبوله والتوقف أمامه والانحناء له وعليه، واستخفافا بالرفض الذاتي والبراني له. أن يهزمنا واقع لا نحترمه، يعني أننا غير جديرين بالاحترام. أما أن نحترم واقعا عنيدا صعبا، فهذا ما قد يكسبنا شيئا من صفاته، الصبر والعناد وصعوبة المراس. ينفتح هذا النقاش على الجدلية، ولطالما كانت مأساوية وساخرة.
المصدر: دار الحياة | |
|
الصقر العراقي المؤسس لمنتديات الواحة
تاريخ التسجيل : 11/05/2008 عدد الرسائل : 17234 تاريخ الميلاد : 22/02/1977 العمر : 47 العراق المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : عراقي الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: العراق الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: الواقع سيئ, لماذا ينبغي أن نكون سيئين.. الأحد فبراير 28, 2010 9:54 pm | |
| هذا مسلك خفيف، ميلودرامي، ومتخاذل. يلزم أن نكون أكثر "قدرية"، أكثر احتراما للواقع، وأكثر سخرية من أنفسنا. هذا موقف محافظ عرضيا لكنه تغييري في العمق. تنويعة المواقف المتاحة اليوم بالعكس تغيرية عرضيا لكنها محافظة جوهريا، وشرسة في محافظتها. فإذ هي ترفض الواقع رفضا ذاتيا، وإذ تغضب وترفس بقدميها لأنه لا يتغير (بدل أن تغير شيئا من نفسها) تسلم اخي الكريم موضوع قيم جدا ويناول مرحلة مهمة في حياة الانسان والفكر الذي بعمل بية هذا الاسنان والمجتمع تحياتي واحترامي سوء الواقع يمكن أن يكون "لحظة" في تطوير حس ووعي مأساويين بالواقع، من شأنهما أن يثمرا إنسانية أغنى وثقافة أرفع. عبر التمرس بثقل الواقع وممانعته، وعبر احترامه والتعلم من "حكمته"، يغتني تفكيرنا ووجداننا. الواقع حكيم. ألا يخطر ببالنا أحيانا أن من حسن الحظ أنه لا يساير أفكارنا ورغباتنا، وأنه لو فعل لكان كارثة علينا قبل غيرنا؟ الثقافة هي اختبار هذا الواقع، تعلم حكمته أو تقريب عقلنا الذاتي من عقله الموضوعي | |
|
القوات الخاصة مشرف منتدى الفن الساخر والكاركتير
تاريخ التسجيل : 27/10/2009 عدد الرسائل : 563 تاريخ الميلاد : 15/04/1982 العمر : 42 مالطا المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : سوري الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الهواية: (50/50)
| موضوع: رد: الواقع سيئ, لماذا ينبغي أن نكون سيئين.. الأحد فبراير 28, 2010 11:15 pm | |
| اشكر اخي الكريم صقر على ردك الايجابي والجميل :فعلا انك اكملت النظرية الفكرية له :لا يسعني الا ان اقول تحياتي وشكري لك | |
|
قبسة نور عضو فعال
تاريخ التسجيل : 07/08/2009 عدد الرسائل : 81 تاريخ الميلاد : 12/12/1983 العمر : 40 فلسطين المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : فلسطينية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الهواية: (50/50)
| موضوع: رد: الواقع سيئ, لماذا ينبغي أن نكون سيئين.. الإثنين مارس 01, 2010 2:51 pm | |
| نعيب زماننا و العيب فينا و ما لزماننا عيب سوانا شكرا اخ قوات على موضوعك تقبل مروري | |
|
القوات الخاصة مشرف منتدى الفن الساخر والكاركتير
تاريخ التسجيل : 27/10/2009 عدد الرسائل : 563 تاريخ الميلاد : 15/04/1982 العمر : 42 مالطا المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : سوري الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الهواية: (50/50)
| موضوع: رد: الواقع سيئ, لماذا ينبغي أن نكون سيئين.. الإثنين مارس 01, 2010 2:59 pm | |
| على الرحب والسعة اخت قبسة نور :وشكرا لقرائتك موضوعي ولمرورك الطيب :مع التحية والسلام.. | |
|