ابوالقاسم الفردوسي
هو الحكيم ابوالقاسم الفردوسي، أكبر شاعر ملحمي
فارسي، و أحد المع وجوه الأدب في العالم. ولد بطوس الايرانية في أسرة
اقطاعية، إسمه المنصور بن الحسن.. ولد بين 324 ـ 329 هـ و توفي في 1411 و
416 هـ.
لقد شهد هذا الشاعر بداية انقراض الاسرة السامانية التي يقول المؤرخون إن
ملوكها ينتسبون الي بهرام جوبين القائد الساساني. و كانت هذه الاسرة تبدي
رغبه عظيمة في إحياء ما لا يتعارض مع الإسلام من السنن و الآداب الايرانية
القديمة، لقد عاش الرجل في بيئة تحض على الإسلام من جهة و على النزعة نحو
التراث من جهة اخرى. و لاشك ان هذا قد ترك تأثيراً كبيراً عليه، و خلق
لديه تعلقاً منقطع النظير بالحضارة الفارسية القديمة
الشاهنامة
تعتبر شاهنامة الفردوسي احدى روائع
الأدب و الفن في العالم، و ديوان من الملاحم و القصص و الفنون الأدبية و
الفلسفية و الحكمية نظمت بحيث أصبحت تاريخاً لشعب متمدن قديم، و صوّرت
مختلف جوانب حياته عبر العصور القديمة: أهدافه، آماله، انتصاراته، محنه،
أخلاقه، عاداته، تقاليده، عقائده؛ مسجلة كافة الملاحم الإيرانيةالقديمة.
لقد جمع الفردوسي في 60 ألف بيت أهم الاساطير الايرانية القديمة و عرضها
عبر أسلوب رائع و إطار مدهش و إيقاع أخاذ، حتى أصبح هذا العمل الأدبي
الكبير مصدر الهام لعدد كبير من الشعراء و المفكرين عبر العصور.
و أسلوب بيان الفردوسي في الشاهنامةبسيط و واضح وموجز و بعيد عن التزويق
اللفظي و الحشو الزائد الممل. و ظهرت القصص في الشاهنامة ـ و التي كانت
منثورة في الأصل ـ في أدق صورة و أجمل بيان كما حافظت على سلامتها
التأريخية ... و لعل الذي حافظ على شاهنامة الفردوسي من الانقراض والضياع
ـ كباقي الشهنامات ـ هو قوة بيانها و جزالة عبارتها.
و الشاهنامةليست كتاب قصه و تاريخ و أدب فحسب، بل نراها تطرق أيضا أبواب
الفلسفة، و الأخلاق و الحكمة، و العقائد و غيرها. كما أنها لم تف عند
موضوع معين، و لم تتقيد بتصوير جانب واحد من جوانب الحياة، فهي تصور لنا و
بأجمل ريشة و أروع كلمة الرسوم و الآداب الفارسية القديمة كالزواج و
الوفاة، و الاحتفالات، و مآدب الضيافة، و آداب المعاشرة، و آداب السفارة،
و مراسم الصيد، و التدبير و الحيلة في الحرب، و معاملة الاسرى، و طريقة
استخدام الاسلحة، و أسلوب كتابة الرسائل، و علاقات الشعوب القديمة ببعضها،
و غيرها من الامور ..
ولم تترك الشاهنامة تأثيرها على الأدب الفارسي فحسب، بل نفذت إلى الأدب
العالمي ايضاً و تركت بصماتها عليه. و قد ترجمت إلى اللغة العربية في مطلع
القرن الهجري السابع (620 ـ 626 م) من قبل الفتح بن علي البنداري. و منذ
القرن 18 م ترجمت الي مختلف اللغات العالمية كالانجليزية و الفرنسية و
الالمانية و الروسية و الايطالية و الهنغارية و الدانماركية و التركية و
الارمينية و الجورجية..
و قد تأثر بالشاهنامةالشاعر الالماني هنري هافيه و الشاعر الفرنسي فيكتور
هيجو، وقام الشاعر و الكاتب الفرنسي لامارتين (1790 ـ 1869 م) بشرح قصة
رستم، احدى قصص الشاهنامة، فيما اثنىالشاعر الالماني غوته عليها.
و تضم الشاهنامة أربع اساطير طويلة حافلة بالمأساة و الألم أو ما يعبر عنه
اليوم بالتراجيديا: ايرج، رستم و سهراب، رستم و اسفنديار، سياوش. و القصص
الاخرى يمكن أن يعبّر عنها بالدراما مثل: فريدون و الضحاك، زال و رودابه،
بيجن و منيجة.
..من أساطيرالشاهنامة تلك التي تتحدث عن شخص يدعى «جمشيد» كان يدعو الناس
إلي الله، فقبض عليه سلطان جائر يدعي الضحاك فقتله. و قبّل ابليس كتفي هذا
السلطان فظهر علي كتفيه ثعبانان كان غذاؤهما أدمغة الناس. فراح السلطان
يقتل في كل يوم شخصين ليتغذي الثعبانان على دماغيهما. فكان من ضمن من قتل
رجل يدعى «اثبين» و هو من سلالة الملوك، مما دفع بزوجته وولده «فريدون»
إلى الهرب خوفاً من سطوته و الإحتماء بجبل «البرز». و كان هناك رجل حداد
يدعى كاوه له ثمانية عشر ولداً قتل الضحاك 17 منهم، فتمرد ضد السلطان و
دعا الناس إلى الثورة عليه، فانضم إليه خلق كثير و اتجهوا نحو جبل البرز و
أمّروا فريدون عليهم، و تمكن فريدون من الإطاحة بالضحاك و تقلد زمام
الأمور بدلاً منه...