لقد شرفني مرور الأخ حمودة و رده الطيب على موضوعي بتلك العبارات التي لا يتقنها إلا من كانت له شاعرية حمودة و عذوبة لفظه.
و شرفني أكثر أن ما هذيت به قد نال استحسانه و هذا ما يشجعني على التأمل أكثر و التفكير أكثر.
و فعلا سؤالك يا أخي يستوجب أن نقف عنده و لا أ عليك طالما تطارحته مع نفسي و لتوضيحه
هل هذه النفس البشرية لها صفات و معايير ثابتة أم أنها تتغير و تتطورمع تطور مراحل الحياة التي مرت بها البشرية عبرها تاريخها الطويل؟
حياة الفرد أحيانا تلخص حياة الجنس بأكمله و في مراحله المختلفة يختصر كل تاريخ بني جنسه.
لو تصورنا هذه النفس البشرية منذ أن خلقها الله سبحانه و تعالى و منذ أن أنزل الله آدم عليه السلام إلى الأرض التي جعلها له مستقرا و متاعا إلى حين و أخبره عن النعيم الذي تركه و عن الشقاء الذي سيعيش فيه و ذكره بنعم الجنة" لا تظمأ فيها و لا تضحى و لا تجوع فيها و لا تعرى. و ربما من هنا أنطلق لمعرفة حاجيات النفس البشرية.
فالنفس البشرية في حاجة للأمن الغذائي و في حاجة للإستقرار و في حاجة للأمن على النفس و الأهل و المال و الولد و هذه تعتبر القاعدة لكل الحاجيات فبدونها لا يمكن للنفس البشرية أن ترتقي إلى مستوى أعلى إلا إذا توفر لها هذا الحد الأدنى و ربما يساعدنا هرم أبراهام ماسلو لفهم طبائع و حاجيات النفس البشرية وكيف تتدرج
-تحقيق الذات 5
- 4الاحترام والتقدير
الحب والانتماء 3-
السلامة والامان2-
حاجات عضوية1-
فالنفس البشرية التي لم تحقق توازنها البيولوجي من مأكل و مأوى و عائلة لا يمكنه أن ينتقل الى مرحلة الإبداع و لعل هذا ما أشار إليه المصلح الكبير الكواكبي عندما تحدث عن النفس البشرية النفس تعيش تحت الإستبداد.
و صدق الرئيس الراحل هواري بومدين عندما قال" كل المبادئ و القيم تنهار تحت معاول الجوع والفقر".
ملخص القول في هذه النقطة أن النفس البشرية لها أولويات في ترتيب حاجياتها. و هذه الحاجيات تفرض عليها التعامل بأساليب مختلفة لتلبية هذه الحاجيات.
فلتوفير الغذاء هناك من بدأ بالجمع و الإلتقاط و هناك من أستعمل قوته الجسدية لسرقة ما جمعه الآخر.
و هناك من بنى منزله و هناك من انتظر أن يكمل الآخر منزله ليسطو عليه.
و لبناء الأسرة هناك من أحب و هناك من سبى و اغتصب.
و لجلب الحب و التقدير هناك من عدل و هناك من تجبر و تكبر.
فمنذ بدأ الخليقة و النفس مجبولة على مجموعة من الطبائع و الصفات. و منذ بدأ الخليقة ، وضع الإنسان لنفسه مجموعة من المعايير التي تنظم حياته فأوجد مفهوم الفضيلة و الرذيلة .
و الغريب في الأمر أن رغم تباعد الثقافات و الأديان و العقائد هناك في كل ملة و نحلة مجموعة تتفق مع مجموعة على مفاهيم معينة.فالعرب في جاهليتهم كانوا يعيشون على الغزو و الإغارة و كانت عرفهم و شريعتهم و لكن لم يمنع ذلك من ظهور من ينادي بالسلم و الرحمة و الصلح.و هذا نجده في ثقافات عدة فأباطرة الرومان كانوا يسعون لبناء مجد جوبيتر العظيم و لكن كانت هناك أصوات تستنكر قسوة تلك الحروب التي تشن على الأبرياء.
و لكن للعودة لسؤال الأخ حمودة هل تغيرت النفس البشرية و تطورت؟
أنا لا أعتقد ذلك بل أعتقد أن ما تغير هو الوسائل الموضوعة في خدمة إشباع هذه الحاجيات.و سأضرب أمثلة من فترات زمنية معينة.
حوار رائع بين موسى عليه السلام و فرعون: موسى النبي الكريم الذي يمثل الروحانية و السمو و كذلك المعارضة السياسية يحاور السلطة ليكفها عن الظلم و تمعن معي في رد فرعون "أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي" فحجة السلطة كانت بذكر المنجزات الإقتصادية و تتحدث بلغة الأرقام و الأسهم.
ألا يذكركم هذا بخطاب الساسة عبر العالم ،كلما تعرضوا لنقد المعارضة ،يقف وزير أو رئيس و يشرح كم حققت حكومته من نمو و دخل و يتغاضى عن ذكر المآسي.فرعون ذكرمشاريع الري و استصلاح الأراضي و لكن لم يذكر ذلك الثمن الباهظ أرواح الشعب المصري الفقير و لم يذكر تلك الجريمة التي تقترف في حق بني إسرائيل.و هنا يظهر أن مشكلة التعايش السلمي بين الديانات و الشعوب قديمة جدا.فالنفس البشرية لم تتغير ما تغير فقط هو الوسائل و الديكور .
لو تتبعنا القصص القرآني عندما يحدثنا عن الأمم البائدة التي أهلكها الله نجد أن دعوة الرسل ثابتة و رد الجاحدين ثابت رغم العبر و الدروس.
كان جميل يرسل أشواقه مع الرسل و الحمائم و الآن فريد أو عبود أو سوسن أو غيرهم يرسل أشواقه عبر النت و برامج الدردشة .
لم تتغير الصفات و لم تتغير الطبائع فالنفس البشرية لا زالت تحب و تعشق و لكن الآن بوسائل أسرع.
ألسنا نعتبر الآن أمريكا أقوى دولة في العالم فنحن نحكم عليها بنفس المعيار الذي كان يحكم به أجدادنا على دولتي فارس و الروم.
و كثيرة هي الأمثلة التي تجعلني أقول أن النفس البشرية ثابتة قد تغير الوسائل و لكن تبقى أهدافها ثابتة لا تتغير.
و لكن ما يخيفني عزيزي حمودة أن هذه الوسائل في أيدي القوى الشريرة التي تحاول فرض رغباتها على المستضعفين.أرأيت أخي حمودة دليل آخر على ثبات النفس البشرية لا زال هناك مستضعفين و مستكبرين.
أخي حمودة ما كتبته يمثل رأيي و نظرتي فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان.