إجتهد الحاكم العربي منذ القدم في تطوير وسائل الحوار و ترقية قنواته بينه و بين رعيته.و ربما يمكن القول بأن لنا قصب السبق في هذا و إن أنكر علينا بعضهم ذلك فيكفينا فخرا أننا على العهد باقون.و لا زلنا نعمل على المحافظة على الحوار في مجتمعاتنا.
العلاقة بين الحاكم و المحكوم معقدة جدا أفاضت الكثير من الحبر و الدماء ولكن يبقى لها نمطان إما علاقات عمودية أو أفقية.
الغرب ينتقدنا لأننا نفضل العلاقات العمودية في تعاملاتنا .و يرى فيها التسلط و الشمولية و الديكتاتورية.
أما نحن فنرى فيها مزايا عدة. توفر الوقت و الجهد فلسنا في حاجة للشرح.
تريح المواطن من تعب التفكير و البحث عن حلول.
تترك لمواطن وقتا للفراغ يمكنه أن يملأه بالشيشة و التلفاز و الأحسن بمشاهدة نشرات الأخبار.
على كل ليس هذا موضوعنا اليوم ، البارحة كنت أفكر بصفتي معلم في أنجع الطرق و أحسنها لتوصيل المعلومات ففوجئت بأن حكامنا عبر التاريخ أبدعوا في هذا المجال.
تجولت عبر صحراء العرب ، أتمتع بمناظرها و أشعارها و حسانها ثم جلب انتباهي الملك حجر يعاقب بني أسد و قد أقسم أن يقتلهم بالعصا فسموا عبيد العصا....فاستعذت بالله ثم واصلت و طفت بين شوارع بغداد الحبيبة و خشعت في حلقة الإمام الأعظم أبي حنيفة و حوله طلاب العلم يرشفون من منهله و يكرعون من بحره.
و لكن السلطان لم يرى فيه الفقه و الفرائض و التفسير ، السلطان يرى فيه اللوحة الإشهارية لنظامه.
أبو حنيفة يمكنه إضفاء الشرعية على السلطة. عفوا أدهشني هذا حكامنا على مر العصور يعانون من عقدة الشرعية.
السلطان يعرض عليه المناصب و يغريه و الإمام لا يرضى و السلطان كذلك لا يرضى.
و الحل هنا العودة للإقناع. و صدق سيدنا موسى عليه السلام حين قال : هي عصاي أتوكأ عليها و أهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخر" و لكن السلطان لم يكن يهش بها على رعيته بل كانت له فيها مآرب يعرفها من دغدغت العصا ضلوعه.
هنا ستعرف أن أقدم وسيلة تربوية مقنعة استخدمها الإنسان هي العصا.
و رغم قدمها تبقى لها مزايا خاصة فبها يشرح الحاكم نظرياته في الحكم و بها يستغني عن أجهزة الإعلام فيكفيه أن يضرب التيس صاحب الجرس ضربة يعرف بها القطيع واجباته و ينسى حقوقه.
و صدقوني إذا أكثرتم التجوال سينتهي الأمر بكم كحالي : تغلق كتابك و تتناول عشاءك و تحمد ربك على أنك لا تسكن عاصمة من عواصمنا.
سكان العواصم يعيشون في خطر متربص: ممكن و أنت تتجول في شارع أن يأخذوك في سيارة و يلبسوك بدلة جميلة و يصرفون لك مرتبا خياليا و ينصبونك نائبا في مجلس أو وزير ...إلى هنا المتعة...ولكن ستؤلمك الخيوط التي تشدك لتحركك فحتى عرائس القراقوز تؤلمها الخيوط التي تشدها فما بالك بنائب.
ثم تحدث مظاهرات و احتجاجات و حظر للتجول ثم يظهر الأمير الجديد داعيا للهدوء و عدم الإصغاء لأراجيف الإمبريالية و تظهر صورتك في التلفزيون و أنت تضع نظارات سوداء و تحتك عنوان " رجال العهد البائد" "رموز الفساد" و هنا أمامك إختيارين:
إن كان في جعبتك بعض الملفات السوداء و بعض أسرار الليالي الحمراء ستعين سفيرا في ري ودي جانيرو بلد الكرنفال لتحسن فنياتك في القنص.
و إن كنت في قائمة الأضاحي مع كبش إسماعيل فستظهر كذلك صورتك في التلفاز"إنتقل المغفور له إلى جوار ربه بعد صراع طويل مع المرض و بعد غيبوبة طويلة أسكنه الله فسيح جنانه و ألهم ذويه الصبر و السلوان إنا لله و إنا إليه راجعون"