ربما يتهمك البعض بالانعزالية و آخرون يرمونك بالكبر و الترفع و سيقول عنك آخرون مجنون...لايهم المهم أنك تعيش سعيدا في مربعك الصغير الذي رسمته لنفسك و أحطته بسياج من خيالك ووضعت فيه كل مقتنياتك : كتب،أوراق،دموع، بقايا من تجارب فاشلة،قصائد لمجانين قتلهم الحرمان،أنين قلب،أجنحة حمامة،أشلاء أحلام....تستطيع في هذا المربع الصغير أن تجمع كل المتناقضات و أن تخلق الحياة بين الأضداد.
في المربع الصغير تشعر بدفء الأمن: لا رياح،لا مطر،لا شمس،لابرد،لاحر،لا سماء،لاهواء..لا شيء أنت و أحزانك فقط.
الأحزان في المربع الصغير تختلف عن أحزان الدنيا،بين زواياه القائمة القاتمة تتحول فيها الأحزان إلى أنيس .
ترقص مع ألامك و تحاول أن تبقيها أمامك أطول مدة لتستمتع بذلك العذاب الذي يصهر الروح و يزيل شوائبها.
المربع شكل هندسي و لكن جماله ليس فسيفساء و لا تناسق صور بل جماله أنه حيز مغلق تحيط به أربعة أضلاع محكمة الإتصال لا ينفذ منها صوت و لا هديل و لا روح و لا رؤية و لا أحلام و لا أغاني أم كلثوم و لا قارئة الفنجان.
في المربع الصغير لا ترى الهدى الذي كنت تظن أنه معك وفي قلبك ولا تطارد الوجوه التي كنت تحلم أنها سترافقك و تكسر أضلاع مربعك الحزين.
قد تخدع يوما بأشعة الشمس و خيوط القمر و ووعود الهوى و خلسات العشق و قد يدعوك جمال أجنحة الحمام المحلق بين سحائب الربيع أن تخرج من مربعك وأن تجد مخرجا بين زواياه المحكمة الإقفال و لكنك سرعان ما تعود و تدخل المربع و تعيد إغلاق الزاوية من جديد و تقبع في ركن من المربع الحزين تجتر أحزانك و تبكي خيبة الألم و مرارة الجرح.
قد تداعبك يد فراشة و تحط بعيدا على أبعد طرف من مربعك فتستهويك أجنحتها و يفتنك تحليقها فتتقدم نحو خطوة ثم خطوات تحاول أن تنشد معها لحن السعادة و أن تفتح نوافذ في مربعك الصغير و لكن كلما اقتربت ابتعدت أجنحتها وخفت غناؤها و عدت أنت و أغلقت كل نافذة و قبعت في أحلك قبو من مربعك الحزين تقلب قصائدك المنهكة و تلعق مرارة الفشل.
ألا يوحي هذا الكر و الفر و المد و الجزر أن داخل هذا المربع الصغير الحزين توجد حياة، نعم قاسية ، مميتة ، متآكلة و لكنها حياة و ستنتهي يوما.
قد تخرج في يوم بارد ممطر و لنقل أنه يوم أحد تخرج و أحلامك تسبق قدميك : قلبك فيه دم جديد ، رئتاك فيهما زفير و شهيق لم تعتدهما من قبل،عيناك فيهما بريق الحب أو العشق أوالجنون لا يهم المهم أنهما لم تعودا خافتتين تبحثان عن نور الظلام.
و تعود من جولتك و أنت تطارد خيالا على فرس جامح :تسمع الهمس و ترى الأنامل الملوحة و تسمع حتى وقع الأقدام على الأرض و لكن تهرب منك الصورة.
ثم تعود كما بدأت و تغلق مربعك الحزين و تختبئ في أعمق حفرة في مربعك الحزين و تتفقد أشلاء أحلامك و تضمها إلى صدرك و تبكي بكاء حارا يغسل كل خيانة و يطهر كل ذنب و يغرقك في مربعك الحزين .