دور الامام زين العابدين عليه السلام بعد واقعة الطف
إسلام بني أمية :
فكانت أبرز سمات وملامح اسلام بني امية هي :- 1- تشويه أهل الحق بوضع الأحاديث وتلفق التفاسير .
2- تصفية المعارضين جسدياً .
3- إنشاء الفرق الفكرية المعارضة .
4- نشر ثقافة السكوت على الظلم والظالمين بين المسلمين بل وتأييدهم ، وأن الأسلم لهم عند احتدام المعركة بين الحق والباطل الفرار الى رؤوس الجبال خشية الفتنة .
5- إرهاب الآمنين من الناس ، ومصادرت أموال المعارضين ظلماً وعدواناً .
6- إغداق أموال الدولة على حزب بنو امية ومؤيديهم .
7- تعطيل الحدود وإيقاف الشرع ونشر البدع في الدين .
هذه السمات وغيرها هي التي جائت بيزيد إلى الحكم وعلى أساسها حكم وسار كل خلفاء بنو أمية وأصبح هذا الفاجر المتجاهر بشرب الخمر وضرب الدفوف أميراً على المسلمين والمتحكم برقاب الناس , وقد أبى وريث الدوحة المحمدية المتمثلة بالامام الحسين عليه السلام أن يدين لهم بالتمكين واصبحت واقعة الطف الجذوة التي لاتنطفئ ولا تبرد في قلوب المؤمنين.
الإمام السجاد قائداً للحركة التصحيحية :فكان على الامام السجاد عليه السلام أن يتولى المواجهة والتصحيح وقد كانت البداية في الشام حيث الدور الاِعلامي أكثر تأثيراً من قعقعة السيوف وطعن الرماح مع ما يستبطن من فضح وكشف واحتمال تصفية وقتل ، فيقف الإمام السجاد عليه السلام في مجلس يزيد مسفّهاً الدعاوى الاَموية التي حاولت تشويه نهضة الحسين عليه السلام، وتزييف أهداف ثورته , فيروح مندّداً بالعصابة التي حرّفت دين النبي صلى الله عليه وآله ويضع أُولى العناوين العريضة في المسيرة التبليغية الاِعلامية التي قادت وتقود مسيرة الاِحياء العظيمة هذه ، برائدها الوحيد الحيّ الباقي ، مؤكداً على الفرعونية الجديدة التي تتحكّم باسم الدين ,
و تجلّى دور الإمام السجاد عليه السلام في قيادة مشروع الاِحياء وثورة التصحيح بالارتقاء بمهمته الرسالية إلى استكمال هذا المشروع وريادة هذه الثورة من خلال مدرسة علمية كبيرة بوجوده في المدينة المنورة التي هي البداية الثانية .
مدرسة المدينة بقيادة الإمام زين العابدين :
كانت مدرسته تعجّ بكبار أهل العلم من حاضرة العلم الاُولى في بلاد الاِسلام ، يحملون عنه العلم والاَدب ، وينقلون عنه الحديث وعلوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم والعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه ، والسُنّة النبوية الشريفة روايةً وتدويناً في عصر ما زال كتابة الحديث فيه متأثراً بما سلف من سياسة المنع من التدوين ، كما تأدبوا على يديه في مجالسه بآداب الاِسلام التي شحنها في أدعيته التي اشتهرت وانتشرت في عهده حتى أصبحت تشكّل لوحدها ظاهرة جديدة في تبني اسلوب روحي متين, كما أن الامام عليه السلام سجل سابقةً علمية وتاريخية برسالة خالدةٍ استوعبت جلّ الحقوق التي لا يستغني الاِنسان عن معرفتها والعمل بها وسميت (رسالة الحقوق).
وواجه الامام السجاد عليه السلام أيضاً مقولات عقائدية تبنتها فرق إسلامية وتمحورت حولها واتخذت منها مناهج خاصة في فهم عقائد الاِسلام وتوجيه أحكامه , فما كان منه إلاّ أن وقف موقفه الواضح والمنسجم مع منهجه في التعليم والدفاع عن مبادىء الشريعة ، فضمّن أقواله الحكيمة وأدعيته المشتهرة نصوصاً تجتث تلك المقولات من جذورها ، ومن هذه المقولات عقيدتي الجبر والارجاء اللتين روّج لهما الامويون تبريراً لوجودهم في السلطة ولمشروعهم السياسي ، وعقيدتي التشبيه والتعطيل في الصفات اللتين اتخذتهما فرق متناقضة بذرائع مختلفة.
أهداف الإمام زين العابدين عليه السلام:كان على الامام عليه السلام أن يُلفت الاَنظار إلى امور كثيرة اختلط حابلها بنابلها ، وكان عليه أن يجذّر أمور اُخرى في عقول وضمائر الجماعة المؤمنة التي يُراد لها أن تحفظ الاِسلام عقيدةً ونظاماً ، شريعةً ومنهاجاً ، وليس شعاراً وسوقاً ، أو تجارة واستهلاكاً , فكانت مدرسة الامام عليه السلام تقوم على عدة أسس أبرزها:-
1- تركيز ثورة الاِمام الحسين عليه السلام في ضمائر الناس لأنه خرج لطلب الاِصلاح في أُمّة جدّه ، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، داعياً لتحكيم دين الله وبهذا يكون الامام قد فضح الشرعية المزيفة التي تقنّع بها الحكم الاَموي ، وكشف زيف شعاراته الاِسلامية العريضة ومزاعم انتمائه للنبي والوحي والرسالة الاِسلامية ، وبالتالي يوضح معالم الاِسلام المحمدي الاَصيل والفرق بينه وبين الاِسلام المدّعى الملفّع بتلكم الشعارات.
2- بناء القاعدة الجماهيرية الشعبية ، المؤهّلة لحفظ الرسالة وحدودها بعيداً عن الزيف والتزييف وسياسة تسطيح الوعي التي غطّت مساحات عريضة من الجمهور المسلم.
3- تعميق مفهوم الاِمامة والولاية في الجماعة الخاصة بعد أن اهتزّت لدى العامّة تحت ضغط الاِعلام المزيف وأبواقه المأجورة.
4- العمل بمنهاج دقيق وتكتيك خاص يراعى فيها جبروت السلطة الحاكمة التي كانت تحسب على الاِمام عليه السلام حركاته وسكناته ، وتعدّ عليه أنفاسه وكلماته من خلال أزلامها وجواسيسها المنتشرين في كل زاوية وزقاق .
محاور الرسالة السجادية : وهذا العمل الدؤوب والمنهج الحكيم ، والموازنة الدقيقة تمثلت بعدة محاور , المحور الاول هو عدم المغامرة بتركةٍ ثقيلة عليه أداؤها في تبليغ الرسالة وحمل الاَمانة وبلورة أحكام الدين التي سفّهها حكام بني أمية .
المحور الثاني تحريك أجواء الصراع ضد الظالمين واستثمار بعض فضاءاته الحرّة لتطويق مساعي الحكام الاَمويين في الالتفاف على جريمتهم في تحريف الدين وخبثهم في احتواء غضب الاُمّة المقدس ضد قتلة الاِمام الحسين عليه السلام وأصحابه .
المحور الثالث إن الامام عليه السلام لا يريد أن يُتّهم أنه اعتزل التصدي تشبثاً بالحياة وحرصاً على حطامها ، بل انه كان يسعى إلى تسفيه تلك التهمة باعتباره أزهد الناس في حياة نتنة (اغتالت حسين السبط واختارت يزيداً).
المحور الرابع أنّه عليه السلام لم يرد أن يعطي للمتقاعسين والمتخاذلين عذراً آخر لتبرير قعودهم وغدرهم واحتمائهم بعزلته وانطوائه ، أي اتخاذ ذلك ذريعةً وغطاءً لنكوصهم وجبنهم وتهافتهم على الدنيا وملذّاتها ، وبالتالي مواصلة طريق الانحراف الذي كان الامام عليه السلام أصدق الناس في محاربته ، وأمضاهم في مناجزته ومناوءته.
ولكل هذا فإن الامام وعدد قليل من المخلصين الذين تظافرت جهودهم على نصرته استطاع أن يحقق نتائج قياسية ويترك آثاراً عظيمة لا يقدر على تحقيقها أي زعيم أو قائد يمرُّ بظروفه , فدوره العلمي كان رائداً وعظيماً في إحياء الرسالة المحمدية وتعميقها في نفوس المسلمين .