ظاهرة العزوف عن الزواج موجودة في كل المجتمعات وفي كل الأزمنة وان كانت في عصرنا الحالي لافتة للنظر لتزايد نسبتها بين الرجال كما بين النساء. وهذه الظاهرة حظيت باهتمام علماء النفس الذين حاولوا دراستها ومعرفة أسبابها ومسبباتها, إذ انه من الطبيعي أن يتزوج الإنسان وينجب أطفالا ويكوّن اسرة وانه من غير الطبيعي أن يبقى عازباً, وهذا ينطبق على الرجل والمرأة ولكن المجتمع هو مجتمع ذكوري قائم على التمييز الجنسي, لذلك يعتبر أن الرجل إذا لم يتزوج فهذا يعود إليه, الى قرار اتخذه بعدم الزواج, إذاً هو عازف عن الزواج بمحض إرادته.
أما الفتاة إذا لم تتزوج فلأنها غير مرغوب فيها ولذلك فهي عانس وهي صفة فيها من التبخيس والتقليل من الشأن والتصنيف الاجتماعي. وقد يكون العزوف عن الزواج لاسباب عضوية, مرضية, ولكن هذه الحالات قليلة جداً, وفي أكثر الأحيان الأسباب هي نفسية اجتماعية أو اقتصادية. وفي كل الأحوال فإن سن الزواج في مجتمعنا العربي في ارتفاع, فالرجل لم يعد يتزوج قبل الثلاثين من عمره والفتاة قبل السابعة والعشرين. وهذا في آخر إحصاء اجري وذلك بسبب التعلم وإيجاد عمل قبل التخرج ومتطلبات الحياة الزوجية. كل هذا أخر سن الزواج أحياناً كان من أسباب العزوف عن الزواج نهائياً.
كذلك الحياة العصرية التي يعيشها الشباب والحرية الزائدة واختلاط الجنسين والرغبة في حياة مرفهة وتفكك الروابط المقدسة بين أفراد الأسرة وسيطرة الذاتية والأنانية. كل هذا غير النظرة الى الزواج و شجع العزوف عنه. ويعيش العازف عن الزواج حياة تطغى عليها الفردية والأنانية, فهو يعيش لنفسه لا يفكر في الآخرين ولا يضحي من اجل الآخرين. ومع الوقت تترسخ هذه القيم عنده وتتخذ الحياة معنى آخر لا مكان فيها للآخر فتزداد أنانيته ويزداد اهتمامه بنفسه وهذا يؤثر على استقراره النفسي وعلى توازنه, كما يؤثر على علاقته مع الآخرين. قد يقول البعض إن العازف عن الزواج متحرر من المسؤولية الأسرية لذلك فهو يعطي إنتاجية أعلى من غيره في مجال عمله, قد يكون هذا صحيحاً وقد لا يكون لانه يجب ألا ننسى أن الزواج والعلاقات داخل الأسرة تخفف من التوترات النفسية التي تعيق كل إنتاجية وتنعكس على العلاقات مع الآخرين, كذلك يجب أن لا ننسى إن للعازب رغبات وحاجات جنسية طبيعية. هذه الحاجات تروي عن طريق الزواج أما العازب فهو إما يكبتها وما ينتج عن كبتها من مفاعيل, واما يشبعها خارج إطار الزواج ونحن نعلم ما يرتبه ذلك من سلبيات.
بين الشرق والغرب
نلاحظ أن هذه الظاهرة تنتشر وتتوسع في المجتمعات الصناعية المتحررة التي أعطت الفرد حرية مطلقة و أباحت العلاقات الجنسية غير الشرعية وشرعت وضع الأطفال غير الشرعيين, فإذا كان الشاب أو الفتاة يستطيعان إشباع رغباتهما دون قيود الزواج ومسؤوليته فلماذا الأخذ به. وإذا كان تكوين أسرة هو أحد أهم أسباب الزواج, ففي الغرب انتشر التساكن وإنجاب الأطفال دون عقد زواج. كذلك العزوف عن الزواج قد يكون نتيجة انحراف جنسي ونحن نعلم ان في المجتمع الغربي ظاهرة خطيرة وهي شرعنة الزواج بين المثليين, وهذا يهدَد وضع الأسرة ويسبب انحساراً ديموغرفيا سيكون له سلبياته على المجتمع الغربي كله.
أما المجتمعات العربية والحمد لله فهي لا تزال تقدس الأسرة وتعتبر الزواج نصف الدين. ولكن هناك تراجع في نسبة الزواج بشكل عام, وهذا يعود الى التمسك بتقاليد المهر والعرس وتكاليفه الباهظة والشبكة وغيرها مما يجعل الرجل يؤخر زواجه حتى يتمكن من تأمين المستلزمات أو يحجم عن الزواج نهائياً لأنه غير قادر على تحمل أعبائه ومسؤولياته.
إذاً الأسباب التي تجعل الرجل يؤثر العزوبية على الزواج تختلف عندنا عنها في الغرب فهناك يهرب الرجل وكذلك المرأة من قيود الزواج التي تحد من حرية كل منهما خصوصاً ان المرأة هناك مكتفية مادياَ ومستقلة اقتصادياً وتنظر الى مؤسسة الزواج نظرة تختلف تماماَ عن نظرة المرأة العربية إليها, فهذه تسيطر عليها فكرة إيجاد الزواج بأي ثمن وهي تحلم بالزواج فهو هدف حياتها وإذا لم تتزوج تصبح حياتها تعاسة وشقاء وتتملكها العقد النفسية. أما الرجل عندنا فأسبابه مختلفة, متطلبات الزواج والأسرة تخيفه خصوصاَ في ظل أوضاع اقتصادية صعبة ومتردية. أو يكون هناك أسباب عضوية مرضية, أو أحيانا يكون المانع من الزواج حب الام الذي تحول الى حالة مرضية حيث ان عقدة أوديب لا تزال مسيطرة على الشخص وتتحكم في قراراته يرفض ان تحل محل أمه أي امرأة أخرى.
كيف نواجه ظاهرة العنوسة ؟.
للحد من اتساع ظاهرة العزوف عن الزوج في مجتمعاتنا العربية علينا تشجيع الشباب على الزواج والتخلي عن العزوبية لذلك لا بد من تغيير مفاهيم كثيرة أصبحت بائدة عن الزواج ودور الزوج والزوجة والتخلي عن المظاهر المادية السخيفة وضرورة النظر بطريقة عملية. فالزواج هو ارتباط بين رجل وامرأة للتعاون على تحقيق الضرورات المعيشية وتكوين أسرة سعيدة. والواقع ان التربية الاجتماعية الحديثة لا ترغب في الحياة الزوجية ولا تشجع على الزواج.
ففي أميركا وأوروبا هناك موقف عدائي من الزواج ما زاد المساكنة والعلاقات الجنسية غير الشرعية, ولكن يبقى ان هذه الظاهرة عندنا هي محدودة جداَ ولا تشكل أي خطر على مجتمعنا".
فنحن فقط يجب أن نساير ظروفنا كي نخرج من هذه الظاهرة.
والصلاة والسلام على المصطفى.