| موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الزمن الماضي عضو vip
تاريخ التسجيل : 18/05/2008 عدد الرسائل : 2719 تاريخ الميلاد : 24/03/1970 العمر : 54 العراق الجنسية : عراقي الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الـــــــعراق الهواية: (0/0)
| موضوع: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها الجمعة ديسمبر 19, 2008 1:54 am | |
| يؤسفنا أن نقول أن ( ديكارت ) حينما بدأ بالشكّ بجميع الأشياء ـ حتى أنه شكّ بوجود نفسه ـ فقد نسي أن يشك في أهم الأشياء التي بين يديه ، إذ نسي أن يشك في ( الفلسفة ) نفسها .ولا أعني بها مجموعة الأشياء التي تمخّض عنها التفلسف بل أعني التفلسف نفسه كمنهج أو طريقة ذات جدوى . وهذه مشكلة حقيقية لم يذكرها الذين أعجبهم كثيراً شكّ ديكارت . والسبب الذي أدى إلى هذا التغافل أو الغفلة واضحٌ ، لأن هذا الشك كان القصد منه تأسيس فلسفة أو نقد الفلسفة التي بين يديه . ولكن إلى الآن لم يحدد لنا الفلاسفة موضوع الفلسفة ، وأهم من ذلك لم يحددوا لنا : ( ما هي الفلسفة ؟ ). فمن حق البعض أن يطالب بتحديد تعريف لـ ( الفلسفة ) ، لأنه قد يدعي أمراً أسوأ إذا لم يجب أحد رغبته هذه ، فقد يزعم أنه في طريقه إلى الاعتقاد أو الجزم من أنه ( لا يحتاج ) إلى شئ لم يحدد له أحد بعد ما هو ؟! بعد إن عجز هو عن تحديده ـ وصاحب الشيء ( الفيلسوف ) أولى به فعليه تقع مهمة تحديد معنى الفلسفة . ذلك أن هذا البعض قد وجد قسماً من الفلاسفة يبحث في ماهية الموجودات وعلاقاتها وعلاقة الإنسان بها فهو يسأل :( هل الفلسفة نوع من المعرفة ؟ ) . ووجد بعضهم يبحث في قدرات وتصورات العقل وأنواع المدركات ، فهل هي علم يبحث في طرائق الإدراك والطرق الموصلة إلى المعرفة فتكون الفلسفة بذلك طريقاً لتقييم المعرفة وليست هي المعرفة ؟. ووجد بعضاً آخر يبحث في النفس والروح وما وراء الطبيعة والذوات والجواهر التي في الأشياء فسُمِّيت الفلسفة عند هؤلاء بـ ( الميتافيزيقا ) فهل هي علم يبحث عن ما هو كامن وراء المحسوسات وبالتالي هي معرفة من نوع خاص ؟ . ووجد البعض الآخر يقول إنها كل ذلك وغيره وإنها جاءت من مفردتين تعنيان سويةً ( حب الحكمة ) ، فهل الفلسفة حكمة أم حب الحكمة أم معرفة أم هي طريق لمعرفة المعرفة ؟ ذلك لأن الحكمة تعني ( وضع الأشياء في موضعها الصحيح ) . فالحكمة عمل إيجابي بينما الفلسفة إذا كانت عبارة عن ( دراسة للمعرفة ) فهي علم والعلم لا علاقة له بالحكمة ، فهي أخذ لا عطاء كالحكمة .إننا نرى أنه لا تلازم بين العلم والحكمة لأننا نرى بأعيننا أناساً لهم علم عظيم بأشياء نجهلها ومع ذلك فهم أشرار جداً ويستعملون هذا العلم للشرّ ولا يضعون الأشياء في مواضعها الصحيحة كما يفعل من نسميهم (الحكماء ) ، أو كما يفترض أن يفعله من نسميهم كذلك . فلا تلازم إذن بين الحكمة والمعرفة إلاّ من طرف واحدٍ وهو أن الحكيم عارفٌ دوماً لكن ليس كل عارف حكيم . لكن الفلاسفة فرقوا كثيراً بين الفلسفة والعلم بل ( حسدوا ) العلم على نتائجه اليقينية ذات الطابع الرياضي ووضعوا أمام أنفسهم مهمة تأسيس فلسفة ذات نتائج حاسمة كالعلم ولكنهم في عين الوقت أقروا وبوضوح تامٍّ أن نتائج الفلسفة ليست ( تراكمية ) ولا يمكن لجامع أن يجمعها في كلٍ موحد وهو إقرار آخر بأنها ليست علماً من العلوم . وبعضهم بحث القيم ولأخلاق فهل الفلسفة علم في الأخلاق ؟ وهل يمكنهم التحدث عن ( علم الأخلاق ) مع الإقرار بأن الفلسفة ليست علماً ؟ وإذا كانت لفظة الفلسفة قد ترجمت إلى ( حب الحكمة ) فهل هذه صفة للفيلسوف أم عمل وتعليم له ؟ فإن كانت صفة له فالفيلسوف إذن ( حكيم ) فلماذا يختلف الحكماء في وضع الأشياء في موضعها الصحيح ؟ وإن كانت عملاً وتعليماً له فهل يمكن تصور أن بمقدور المرء تعليم ( الحُبَّ ) وتعلّمه ؟ إن الفلسفة تقوم على المنطق ـ وهذا هو المتعارف عليه ـوالمنطق شيءّ محدد بصرامةٍ بحيث أن العلم التجريبي يتخذه وسيلة للوصول إلى النتائج اليقينية فلماذا اختلفت الفلسفة في نتائجها المبعثرة عن تلك الصرامة في نتائج العلم وهما يقومان على منطقٍ واحدٍ ؟ . وإذا كانت هي التي أنتجت المنطق فالأمر أسوأ ، إذ كيف يتولد المحدّد من غير المحدّد واليقيني من غير اليقيني والموحّد من المبعثر ؟! صحيح إن الفلسفة تقول وتدعي أشياء كثيرة ، فهي مثلاً تدّعي أنها تتربع على عرش العلم كله وإن العلم وليدها وإنها الحاكم الفعلي . لكن أحداً ما لم يرها قط ولا مرّة واحدة والتاج على رأسها كما لم يرها تدخل قصر العلم بلا استئذان .. كيف ؟! وهي تنتظر بشغفٍ من وليدها أن يرسل لها قصاصة ورق فيها بعض المعلومات عمّا يجري في المملكة المترامية الأطراف …! وحتى إنك لتراها بعد وصول القصاصة قد لملمت نفسها وراحت تتكلم أكثر مما تفعل ، وتدّعي مزيداً من الأشياء التي إن طالب المتلقّون بتحقيقها أو تجربتها قامت لتصدّهم ولتردِّد مسرورةً عبارتها المأفونة ( وهل يستطيع هذا الولد العاق فعل شيء بدون إذني وتوقيعي عليه ؟ ) . الواقع إن شيئاً ما لم يبق للفلسفة حتى تقوله ، وقد أقرّ جميع شرّاح الفلسفة أن موضوع الفلسفة ( بل الصحيح مواضيعها ) قد أُشبع بحثاً ولم يبق سوى تغيير وتطوير الأساليب التي تبحث في نفس المواضيع . إذن فالأشياء التي تتحدث عنها الفلسفة هي نفس الأشياء التي لا يجمعها جامع ولكنها تستمر بالتحدث عنها والإجابة عليها بعبارات اكثر ( وضوحاً ) حسب تعبيرها كما في هذا النص : ( لكن قد يتهكم ساخر بقوله إن الفلسفة ما هي إلا ترجيع وترديد لصدى أصوات الفلاسفة السابقين وإن هي إلا بقايا أفكارهم مع قليل من التحوير والتغيير وربما زاد على ذلك قائلاً إن التفكير الفلسفي راكد لا يتحرك ولا يتقدم )(1) . وتركز دفاع وولف عن الفلسفة بعبارات أهمها : ( إن أقل ما يفعله أهل عصر من العصور أن يصوغوا المسائل القديمة وحلول هذه المسائل في قالب جديد يتفق مع الروح الفكرية والروح اللغوية لهذا العصر ) وهكذا فالفلسفة منذ مئات السنين لم تقدم موضوعاً جديداً ولم تجب إجابةً جديدةً على مواضيعها القديمة ، وكل ما تفعله منذ حوالي ألفي عام هو أن تصوغ الإجابات والمسائل بطريقة ( تلائم الروح الفكرية واللغوية لكل عصر ) وهذا الاعتراف يدلّ دلالتين هامتين : الأولى إن الموضوع الكلّي للفلسفة لا يتضمّن ( عِلماً ) لأن العلم لا يتوقف عند حدود معينة فالفلسفة ليست علماً . والثانية إنها ليست طريقة للتوصل إلى العلم أو نقد العلم والمعرفة لأن طريق العلم هو علمٌ أيضاً ونقد العلم يستلزم وجود علم أعلى يمسك بخيوط العلم كلها ويمتلك مفاتيح العلم كله ، وكذلك المعرفة حيث يستلزم تقييم المعرفة امتلاك ( نقطة ) جامعة أولى لانطلاق المعارف كلها بحيث يمكن نقد المعرفة وطرائقها . ولما كانت الفلسفة جامدة ( مسائل وإجابات ) فليست هي إذن علماً ولا معرفةً ولا طريقة لتقييم أو نقد العلم والمعرفة . أما كون الفلسفة تريد أن تفعل كل ذلك فهو شيء وكونها قد فعلته فهو شيء آخر . انظر النص الآتي : ( هناك دراسات تناقش مدى أهمية الإنجازات التي حققتها الفينومينولوجيا في مجال تقدم العلوم الإنسانية على الخصوص . من أمثلتها الجادة هل قدمت الفينومينولوجيا جديداً للعلوم الإنسانية ؟ والمنشورة في دراسات فلسفية مهداة إلى روح عثمان أمين وانتهى في إجابته على هذا السؤال بالنفي التام )(2) . وأضاف المؤلف قائلاً : ( لم نتعرض لهذه المشكلة بصورة منفردة وإنما عالجناها ضمنياً عندما ناقشنا الجذور الأساسية لمدى علمية الفينومينولوجيا ، وانتهينا إلى أنها ليست علماً وإنما هي نسق فلسفي ومن ثم فإنها لم تقدم أي جديد يساعد على تطور العلوم عامة سواء كانت طبيعية أو إنسانية وطالما أنها نسق فلسفي فإن تقييم إنجازاتها يقتصر على الدراسات المذهبية الفلسفية )(3). إن العبارة الأخيرة للكاتب هي لجبر خاطر نفسه إذ لا يمكنه تصوّر أن ما اجتهد من أجله ليس بذي قيمة مطلقاً ـ فقيمته تقتصر على الدراسات المذهبية الفلسفية ،لكن ما هي منافع هذه الدراسات إذا لم تكن علماً ولا شيئاً يقدم للعلم جديداً وبمختلف فروعه الطبيعية والإنسانية ؟؟. والسؤال الآن هو ( ما هي الفلسفة إذن إذا لم تكن هي كل ما سبق ونفيناه عنها ؟ ) . إننا ننظر إليها على أنها رؤيا ذاتية منفردة ومنعزلة عن العالم ، ولكن هذه الرؤيا في منظور الحل الجديد ( متطورة )خلافاً لما ذكره اكثر النقاد . فالأنا قد اتخذ أوضاعاً مختلفة عبر التاريخ ، والذاتية حلّت بالتدريج محلّ الموضوع الخارجي وهو تطور (تقهقري) ، فهو ضروري بالنسبة للانا المنفصل عن الآخر ، لأن التطور المعرفي بالموضوع علمياً لا ينتج منه إلا تحفز عدواني للانا المنفصل عن العالم . فالمعرفة تزيد الذاتية رسوخاً خلافاً لما تفعله زيادة المعرفة مع الموضوعية أي أن تطور العلوم الطبيعية يزيد الذاتيين جهلاً على جهلهم الأول . إن هذا التحليل يفسر لنا ولأول مرة سبب تخلف العلوم الإنسانية ومنها الفلسفة بنفس النسبة التي يتقدم بها العلم الطبيعي . فنحن لا ننكر تجاور الفلسفات وعدم تراكمها كالعلم ، بل نعتقد بتراكمها وتطورها ، لكنه تطور تراجعي فيه المزيد من الذاتية . ولذلك سنعرّف الفلسفة تعريفاً آخر : الفلسفة هي : ( طريقة للتفكير تحاول معرفة الأشياء بصورة أعمق بكثير مما يفعله العلم ولا تستعمل من أجل ذلك أية أدوات للعلم سوى التفكير ، فهي تلغي الموضوع خلال التفكير فيه ) . ومثال ما يفعله الفيلسوف ـ وقد اتفقنا مبدئياً على أن الفيلسوف هو غير الحكيم ـ هو مثل ما يفعله رجل يريد الوصول إلى مدينة ما بطريقة أسرع بكثيرٍ جداً مما هو مستعمل في أسرع وسائط النقل ولكنه لا يستخدم سوى قدميه ورغبته في الوصول ويختار مدناً لم يرها أحد من قبل . صحيحٌ أن هناك طريقة للوصول بغير واسطة يفرضها الإمكان العقلي والحدس الوجداني لكن الرغبة وحدها في الوصول لا تحقّقه إذ يجب أن تتوجه الرغبة أولاً إلى مصدر الإمكان العقلي والحدس الوجداني لاستخلاص الطريقة الممكنة منهما ـ لأن الناس كلهم متساوون في هذا الأمر ، فكلهم يرغب في الوصول بهذه السرعة وهم جميعاً تقريباً يمتلكون أقداماً صالحة للمشي . التعريف يحقق لك تفسيراً معقولاً لجميع الظواهر في الفلسفة وكما يلي : أ ـ انفصال المواضيع الفلسفية وعدم إمكانية جمعها أو توصيل بعضها ببعض . وهذا أمر يحتّمه المنهج الفلسفي للمعرفة لأنه يستعمل التفكير المجرد لسبر أغوار أعمق في موجودات ـ يقوم العقل مستقلاً عن أي منهج بفهم ظواهرها الخارجية فهماً جزئياً بمساعدة أشياء كثيرة : الحواس ، تراكمات الخبرة ، اختبارات عديدة على نفس الظاهرة ، معونات بالمنطق الحسابي والرياضي ، سجلّات لتاريخ الشيء أو الظاهرة ، فكيف يمكن فهم هذا الموجود داخلياً بنفس العقل وبنفس القدرات الفكرية في العقل مع استغناءٍ تام عن هذه الأشياء المساعدة ؟ كأن المنهج الفلسفي لم يكفه التعمق في الموضوع فجمع معه النقص في الأدوات !! ألا ترى إنه يشبه عمل الرجل المسافر : لم يكفه طلب السرعة فاستغنى معها عن الطائرة والسيارة ! ومن المؤكد بعد ذلك إن المعرفة المزعومة ستكون وهماً وخيالاً ولا تتواصل لأنها في حقيقتها ليست معارف بل أوهاماً لا غير .كذلك لو كان مثل هذا الرجل كثيرين يريدون السفر بهذه الطريقة ـ ويزعمون أنهم قد وصلوا فعلاً فهم يشعرون أنهم صادقون حينما قالوا : وصلنا فعلاً.. لكن الغريبَ أنّ ما من أحدٍ منهم قد رأى الآخر ولا مرة ، وهم بالنسبة لنا واهمون حينما قالوا : وصلنا ،والواهم مُصدَّقٌ على أية حال لأنك لا تستطيع تكذيب من يتوهم مع نفسه فهو لن يصدِّقك . | |
|
| |
الزمن الماضي عضو vip
تاريخ التسجيل : 18/05/2008 عدد الرسائل : 2719 تاريخ الميلاد : 24/03/1970 العمر : 54 العراق الجنسية : عراقي الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الـــــــعراق الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها الجمعة ديسمبر 19, 2008 1:56 am | |
| هذه الظاهرة استغِلّت استغلالاً بشعاً عند أولئك الذين ادّعوا أن الحقائق تنكشف لهم وحدهم بطرقٍ لا يمكن للآخرين فهمها … ذلك لأن الذين امتلكوا فعلاً مثل هذه القدرات كانوا من الحكمة ومن قلة العدد أنهم لم يُخبروا بقدراتهم وإنما الآخرون فهموا هذا الأمر من خلال أفعالهم ومن قدرتهم الفائقة في الإجابة السريعة على المعضلات . ب ـ الاختلاف في وصف الطريق الموصل إلى الهدف ، بل وتعديل هذا الوصف رغم توحّد الهدف والتراجع أحياناً عن هذا الوصف رغم استمرار دعوى الوصول .. هو أمر آخر محتوم يحتّمه البعد السحيق بين الهدف والأداة الموصلة ، وهذه هي فعلاً خصائص الواهم حيث يتغير وصف الطريق لديه دوماً ويتراجع عن أشياء أثبت المسافرون ببطء شديد أو بآلة سريعة أنها بخلاف ما زعمه (1) . ج ـ الاختلاف في وصف المنطقة ( موضوع المعرفة ) من قبل الذين ادعوا الوصول إليها ..هو أمر آخر محتوم يحتّمه كونهم لم يصلوا إلى المنطقة بالفعل وإنهم متوهمون أو واهمون ، ولذلك يكون اختلافهم في العموميات كاختلافهم في أدقِّ التفاصيل ، فإذا حدث إن اتفقوا على أحدهما فقد اختلفوا في الآخر أو العكس ، وترى انحيازهم إلى بعضهم البعض يتخذ شكل الارتياح النفسي للوصف الخاص بالموضوع لا علافة له بالدليل المنطقي أو العلمي ، ولذلك يحدث التراجع أيضاً عند التأييد أو الاختلاف . فلاحظ تراجعات الفلاسفة عن تأييد بعضهم البعض أو تراجعهم عن اختلاف بعضهم مع البعض . د ـ التشابه والتحدّد في الموضوع أو الهدف المقصود . هو الآخر أمر يحتّمه الوهم أو التوهم . فإذا ظهر رجلٌ جديدٌ كل مرة أو كل عصرٍ يعجبه السفر بهذه الطريقة ( الفنطازية ) فلن يجرؤ بطبيعة الحال على اختيار مدينة جديدة أو منطقة يذهب إليها أسلافه في ( أحلامهم ) لأنه سيكون عرضة لآلاف التساؤلات الجديدة ويحتاج إلى أن يبرهن على كل ذلك . الأيسر له بالطبع أن يسافر إلى نفس المكان حيث ذهب أسلافه ويعتمد الأمر في تصديقه على لباقته وحسن تصرفه فيجب عليه وصف الطريق الموصوف سابقاً بدقةٍ أكبر وإظهار تفاصيل أخرى تتفق مع العلامات المعلومة سابقاً في الأذهان ، والضرب على وتر المرتكزات الذهنية القديمة عن خصائص المدينة وطرقها بحيث أنه يجيد الوصف ويجعله متناسقاً أكثر مما فعل سلفه وبهذا يُصبح فيلسوفاً يشار له بالبنان . ه ـ افتعال النصائح للمسافرين بآلة . وهذا يوجبه أمرٌ نفسي هو أن يصدِّق الناس أنه بلغ الهدف وعلم خصائص الطريق ، وغالباً ما تظهر هذه النصائح عند الفلاسفة العرفانيين . ولكن إذا سمع علامة ذكرها أحد المسافرين ( ببطء شديد ) من علامات الطريق رأيته مسروراً بها اكثر من سروره المزعوم بالوصول وبمعرفة الطريق كاملاً ! وهذا أمرٌ يثير الدهشة إذا لم يكن يثير السخرية . فما بال الفلاسفة ينتظرون من العلم التجريبي أن يمنحهم موضوعاً للبحث ؟ وما هي أهمية البحث الفلسفي بعد إن انكشف بالعلم التجريبي ؟ لقد حاول ( فلاسفة ) يمكن وصفهم بـ ( الموضوعية ) أن يتملّقوا العلم التجريبي ليمنحهم شارة احترام وذلك بتأسيس فلسفة تقوم على مغازلة العلم التجريبي .وهذا مثل أن يقول الرجل لصاحبه :أعطني كذا ديناراً سرّاً بيني وبينك قٌرضةً حسنةً ، فإذا عطف عليه وأعطاه نادى بأعلى صوته : خذ هذه الدنانير هديةً مني لك ولأسمع بعد اليوم من يقول أن هناك من يعيلك غيري ! وذلك هو موقف الفلسفة من العلم تؤكده جميع تقارير الفلسفة وجميع شارحيها ونقّادها ، وهو موقف يتسم بالأنانية والاستبداد والاستعلاء على ما هي محتاجة إليه . و ـ الاستعلاء والاستكبار . بدءاً من مقترح أن يحكم الفلاسفة العالم ومرراً بمقولة ابن عربي : ( فالرب فيك وأنت صورته ) ومروراً بـ ( العقل المجرد ) و ( الأنا الأوحد ) وانتهاءً بسار تر ( تعالي الأنا ) ـ صورة واحدة ونفسية واحدة وتوجّه واحد هو توجّه الواهم ، الواهم عن قصد وبغواية منقطعة النظير تقضم كل ما يأتي بين يديها وهي تلتهم بشراهة ( مقولات دينية ) ومباديء ( موحاة من السماء ) لتحيلها بعد اجترار طويل إلى تماثيل منحوتة بديلاً للأصنام وتؤسّس ( إلحاداً دينياً ) و ( كفراً آتياً من السماء ) ـ ولم تتعرض في كل ذلك ولا مرة واحدة إلى نقد أو إعادة النظر بالأداة المستخدمة لذلك وهي ( اللغة ) لأنها لا تريد أن تثير مشكلة على نفسها ولا تحاول كشف حقيقتها . ولذلك فالفلسفة لا زالت تبحث عن نفسها وهذا ( قدرها ) المحتوم لأن الواهم بشأن الأشياء هو واهم ومتوهم في البدء مع نفسه . . ـ كثرة الضحايا . وهو أمر يحتّمه الوهم الجماعي ، مجموعة تدفع إلى هذا الوهم بقوة ومجموعة تنخدع وتقع ضحية لهذا الوهم ..وأكبر الضحايا هي أسماء لامعة في الفلسفة ، فمثلاً إن شكّ ديكارت كان في محلِّه .. لقد افترض في البدء أن عليه أن يتصور وجود خطأ ما في كل شيء وفي كل معلومة وصلته ويبدأ من جديد ، يبدأ مما لاشك فيه ، فاعتقد أن احتمال الخطأ سببه أمران : الأول القصور في فهمنا للحقائق والثاني وجود قوة محتملة كائدة مثل ( الشيطان ) توهمنا وتغوينا(1) . إن ديكارت محق جداً في الناحيتين وإن كانتا في الأصل سبباً واحداً ، فالشيطان ليس قوة غير منظورة إنه تعبير عن ( الغواة ) من بني الإنسان وهم لا يغوونا إلا بما نقدّمه لهم من نقاط الضعف : قصورنا بل تقصيرنا في الفهم ، وعجلة في الوصول إلى الحقائق ورغبة في التبجّح وحبّ شديدٌ للتعالي وأشياء كثيرة يوهمنا أن نفعلها لنكون أضعف منطقاً واقل فهماً وأكثر إسراعاً في تصديق أوهامٍ يجعلنا نقولها بأنفسنا ونصدّقها ونردّدها وراءه شارحين وموضحين لغوامضها . وحتى يحين الوقت الذي يأتي فيه مثل ديكارت ليشكّ في كل شيء يكون عدد الضحايا الذين وقعوا في هذه المكيدة كبيراً . وديكارت نفسه هو أول الضحايا ، شأنه في ذلك شأن السابقين عليه ، والشيطان الذي حاربه ديكارت ما قال ولن يقول ( ديكارت كان مخطئاً ) .. بل سيكون ( الشيطان ) أول ديكارتي يتتلمذ على يده وأول من يقوم بشرح غوامضه ، وإذا لم تكن هناك غوامض عند ديكارت الواضح جداً فسينظر الشيطان : لأي شيء أحبّ الناس ديكارت ؟! وحينما يكتشف أنهم أحبوه لأنه يشكّ في كل شيء ليبدأ من شيء ثابت يقيني وأنه بهذا العمل قد ( قضى على الشيطان ) بالضربة القاضية ، فسيبتسم ويقول : حسناً يا صديقي ديكارت ! سأشرح فلسفتك للعالم بأسره وسأكون أول ديكارتي فيه ولكني أبشّرك بشيء .. سأكون أنا أيضاً ذلك الشيء اليقيني الثابت الوحيد الذي تبدأ منه !! إن الشيطان لم يجلس بانتظار أن ينتهي ديكارت من وضع فلسفته .. بل هو هناك يدور حوله ويجادله ويساومه حتى تحمرّ عيناه ولا يكتب ديكارت شيئاً إلا بعد أن يحدث اتفاق مبدئي على الصيغة ، والشيطان الذي هو في داخل الفيلسوف أو هو خارجه شخص بارع ، وأود أن أخبرك بسرٍّ هامٍّ جداً جداً : إن الشيطان أعلم من الفلاسفة في موضوع ( اللغة ) وهو دوماً يعثر على المفردات والجمل التي تضع الحل النهائي للصراع بينه وبين الفيلسوف . وبالطبع لا يوافق الشيطان على الصيغة النهائية حتى تكون قابلة لأن يشرحها فيما بعد بطريقة مضادّة لرغبة الفيلسوف وتوجّهاته الأصلية ويمكن أن يتأمل فيما بعد بأوراق ديكارت ليضع ( تأملات ديكارتية ) ويضع مجموعة ديكارتية كبيرة . وهكذا سيبعث ديكارت يوم القيامة وأحسبه سينكر ويحلف بالأَيمان الغليظة لجميع الملائكة بأنه لم يكن ديكارتياً قط ! كان ديكارت على علمٍ بقصة ( طرد الشيطان ) من الجنة ، لقد كان السبب في طرده أنه شكّ في الآخر ـ آدم ـ في وقتٍ كان فيه مستيقناً من نفسه ، والآن في نفس ديكارت ـ حفيد آدم ـ رغبة شديدة في الثأر ! وحينما قال ديكارت : بدأت أشكّ في كل شيء ، ارتعب الشيطان فعلاً لأنه اعتقد أن الرجل يشكّ في المقولات وفي الأفكار وتأمل قليلاً ثم سأل ديكارت : بأي شيء تشك ّيا ديكارت ؟ فأجابه منزعجاً : بكل شيء بكل شيء وبك أيضاً أشكّ . فقال الشيطان : بك ؟ ولم يقل الشيطان ( بي ) كما تقتضيه اللغة ، وهكذا انتقل ديكارت من المقولات إلى الموجودات بلا شعور منه وسأل نفسه في حين ابتعد الشيطان قليلاً ، سأل : أ أشكّ في نفسي ؟ كلا.. كلا كيف أفكر بالشكّ إذن ؟ أليس تفكيري دليل على أني هنا بالفعل وأني موجودٌ حقاً ؟ ولما تأكد من ذلك كتب : ( لا نستطيع أن نفترض أننا غير موجودين حين نشكّ في حقيقة هذه الأشياء جميعاً لأن مما تأباه عقولنا أن نتصور أن ما يفكر لا يكون موجوداً حقاً حين نفكر …). وإذن فما دام ديكارت يفكر بالشكّ فإنه لا يشكّ في كونه موجوداً . ثم كانت من بعد العبارة الشهيرة : ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) . وقهقه الشيطان على باب ديكارت بضحكات هستيرية مدوية وصاح ـ ومن المؤسف أن الفيلسوف لم يسمعه ـ صاح قائلاً : ( يا صديقي المسكين لقد وقعت في الفخ من أول سطر . لا أريد شيئاً سوى أن تفعل فعلي ، ـ تنكر الآخر وتثبت نفسك ـ .. يا رجل لقد أرعبتني ظننت أنك تشكّ في الأفكار وأنك مصر على ذلك فما أسرع ما تحولت إلى الشكّ في المخلوقات .. أنت الآن بدأت في طريقي ـ طريق الشيطنة وسأحملك مرغماً على أن تقول ما أريده . أ تريد الرجوع إلى جنة طُرِدت أنا منها بسببك ؟ هيهات .. هيهات أن يحدث ذلك وبي ما بي من حياة !! اسمع يا هذا فإني سأنفخ في هذا ( الأنا ) ، سأنفخ فيه دوماً ، سأنفخ فيه بكل ما أوتيت من قوة ، وسأجعله أكبر من السماء ، بل سأجعله يحتوي على ( الرب ) نفسه ، سأجعله ( الأعلى ) وسأجعله ( الأوحد ) في العالم(1) .. !! . لقد أوحى لنا صراع ديكارت مع الشيطان بفكرة غريبة هي أن نستعرض الفلسفة بمجملها ونحاول توحيد خطوطها ونبحث عن منشأها وهدفها في داخل ( اللاوعي ) ، ونعتبرها ( شخصية ) مجسّدة مريضة بمرض نفسي نكشفه للقارئ من خلال محاورات تجري في اجتماعات متخيّلة للشياطين المختصين بالفلسفة والذين يحاولون تضليل بني الإنسان كما تصوّر ديكارت ، وذلك في مؤتمر للشياطين اسمه مؤتمر إلغاء أو إزالة آثار الحكمة
منقول | |
|
| |
ملكة الأحزان المدير العام
تاريخ التسجيل : 22/05/2008 عدد الرسائل : 7929 المغرب المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : مغربية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: المغرب الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها الجمعة ديسمبر 19, 2008 5:53 pm | |
| | |
|
| |
الكربلائي مجلس ادارة الواحة
تاريخ التسجيل : 12/05/2008 عدد الرسائل : 3622 تاريخ الميلاد : 01/07/1980 العمر : 44 العراق المـــــــزاج : الهواية : الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: العراق كربلاء الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها الأحد ديسمبر 21, 2008 8:07 pm | |
| موضوع ممتاز وقيم أخي الفاضل
والحمد لله على سلامتك ورجعتك أخي
بارك الله فيك تحياتيوتقبل مني مروركوشكرا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | |
|
| |
الزمن الماضي عضو vip
تاريخ التسجيل : 18/05/2008 عدد الرسائل : 2719 تاريخ الميلاد : 24/03/1970 العمر : 54 العراق الجنسية : عراقي الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الـــــــعراق الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها الإثنين يناير 12, 2009 9:03 pm | |
|
سناء
الكربلائي
شكرا لمروركم الجميل
تقبلو خالص احترامي
| |
|
| |
ساجدة مشرفة منتدىالفلسفة
تاريخ التسجيل : 25/08/2008 عدد الرسائل : 873 تاريخ الميلاد : 06/03/1979 العمر : 45 الجزائر المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : جزائري الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الجزائر الهواية: (50/50)
| موضوع: رد: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها الثلاثاء يناير 13, 2009 8:49 pm | |
| .شكرا اخي المسعودي على هدا البحث القيم
بارك الله فيك
احترامي | |
|
| |
آمال الكاتب عضو شرف
تاريخ التسجيل : 12/12/2008 عدد الرسائل : 504 تاريخ الميلاد : 20/03/1970 العمر : 54 العراق المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : عراقية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: العراق الهواية: (50/50)
| موضوع: رد: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها الجمعة يناير 16, 2009 1:58 am | |
| مقدمة رائعة وبحث ممتع
استاذي الغالي المسعودي
| |
|
| |
الزمن الماضي عضو vip
تاريخ التسجيل : 18/05/2008 عدد الرسائل : 2719 تاريخ الميلاد : 24/03/1970 العمر : 54 العراق الجنسية : عراقي الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الـــــــعراق الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها الجمعة يناير 16, 2009 11:20 pm | |
| ساجده
امال الكاتب
شكرا لمروركن الجميل
واطرائكن الرائع
لكن خالص احترامي
| |
|
| |
الصقر العراقي المؤسس لمنتديات الواحة
تاريخ التسجيل : 11/05/2008 عدد الرسائل : 17234 تاريخ الميلاد : 22/02/1977 العمر : 47 العراق المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : عراقي الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: العراق الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها السبت يناير 17, 2009 8:40 pm | |
| لقد أوحى لنا صراع ديكارت مع الشيطان بفكرة غريبة هي أن نستعرض الفلسفة بمجملها ونحاول توحيد خطوطها ونبحث عن منشأها وهدفها في داخل ( اللاوعي ) ، ونعتبرها ( شخصية ) مجسّدة مريضة بمرض نفسي نكشفه للقارئ من خلال محاورات تجري في اجتماعات متخيّلة للشياطين المختصين بالفلسفة والذين يحاولون تضليل بني الإنسان كما تصوّر ديكارت ، وذلك في مؤتمر للشياطين اسمه مؤتمر إلغاء أو إزالة آثار الحكمة الاخ الغاي المسعودي حقيقة نقل قيم جدا بارك الله فيك ولله اسنمتعت في قرائتة تقبل مروري | |
|
| |
الزمن الماضي عضو vip
تاريخ التسجيل : 18/05/2008 عدد الرسائل : 2719 تاريخ الميلاد : 24/03/1970 العمر : 54 العراق الجنسية : عراقي الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الـــــــعراق الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها الإثنين يناير 19, 2009 1:12 am | |
| شكرا جزيلا لك اخي
الغالي صقر
تقبل خالص ودي
| |
|
| |
| موجز في تعريف الفلسفة وإشكالاتها | |
|