|
| سورة "ق" جامعة لأصور الايمان | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ملكة الأحزان المدير العام
تاريخ التسجيل : 22/05/2008 عدد الرسائل : 7929 المغرب المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : مغربية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: المغرب الهواية: (0/0)
| موضوع: سورة "ق" جامعة لأصور الايمان الخميس أكتوبر 09, 2008 8:09 am | |
| نقلت لكم اليوم هذا الموضوع من كتاب الفوائد للعلامة إبن القيم وأدعو الله أن يعود علينا جميعا بالفائدة
سورة (ق) جامعة لأصول الايمان
وقد جمعت هذه السورة من أصول الايمان ما يكفى ويشفى, ويغني عن كلام أهل الكلام, ومعقول أهل المعقول, فانها تضمّنت تقرير المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوّة والايمان بالملائكة, وانقسام الناس الى هالك شقي, وفائز سعيد, وأوصاف هؤلاء وهؤلاء. وتضمّنت اثبات صفات الكمال لله, وتنزيهه عما يضاد كماله من النقائص والعيوب. وذكر فيها القيامتان الكبر والصغرى, والعالمين: الأكبر, وهو عالم الآخرة, والأصغر وهو عالم الدنيا. وذكر فيها خلق الانسان ووفاته واعادته, واحاطته سبحان به من كل وجه, حتى علم بوساوس نفسه, واقامة الحفظة عليه, يحصون عليه كل لفظة يتكلم بها, وأنه يوافيه يوم القيامة, ومعه سائق يسوقه اليه, وشاهد يشهد عليه, فاذا أحضره الشاهد قال: {هذا ما لديّ عتيد},ق 23. أي هذا الذي أمرت باحضاره قد أحضرته, فيقال عند احضاره:{ ألقيا في جهنّم كلّ كفّار عنيد}, ق24. كما يحضر الجاني الى حضرة السلطان فيقال: هذا فلان قد أحضرته, فيقول: اذهبوا به الى السجن وعاقبوه بما يستحقّه.
وتأمّل كيف دلّت السورة صريحا على أن الله سبحانه وتعالى يعيد هذا الجسد بعينه الذي أطاع وعصى, فينعمه ويعذّبه, كما ينعم الروح التي آمنت بعينها, ويعذّب التي كفرت بعينها, لا أنه سبحانه يخلق روحا أخرى غير هذه فينعمها ويعذبها كما قال من لم يعرف المعاد الذي أخبرت به الرسل, حيث زعم أن الله سبحانه يخلق بدنا غير هذا البدن من كل وجه, عليه يقع النعيم والعذاب, والروح عندهم عرض من أعراض البدن, فيخلق روحا غير هذه الروح, وبدنا غير هذا البدن وهذا غير ما اتفقت عليه الرسل ودلك عليه القرآن والسنّة وسائر كتب الله تعالى . وهذا في الحقيقة انكار للمعاد وموافقة لقول من أنكره من المكذبين, فانهم لم ينكروا قدرة الله على خلق أجسام غير هذه الأجسام يعذبها وينعمها, كيف وهم يشهدون النوع الانساني يخلق شيئا بعد شئ! فكل وقت يخلق الله سبحانه أرواحا وأجساما غير الأجسام التي فنيت, فكيف يتعجّبون من شئ يشاهدونه عيانا؟ وانّما تعجّبوا بعودتهم بأعيانهم بعد أن مزّقهم البلى وصاروا عظاما ورفاتا, فتعجّبوا أن يكونوا هم بأعيانهم مبعوثين للجزاء, لهذا قالوا :{ أئذا متنا وكنّا ترابا أئنّا لمبعوثون} الصافت16. وقالوا: {ذلك رجع بعيد} ق 3.
ولو كان الجزاء انما هو لأجسام غير هذه, لم يكن ذلك بعثا ولا رجعا, بل يكون ابتداء, ولم يكن لقوله:{ قد علمنا من تنقص الأرض منهم},ق4. كبير معنى. فانه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدّر, وهو: انّه يميز تلك الأجزاء التي اختلطت بالأرض واستحالت الى العناصر بحيث لا تتميّز, فأخبر سبحانه بأنه قد علم ما تنقصه الأرض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم, وأنه كما هو عالم بتلك الأجزاء, فهو قادر على تحصيلها وجمعها بعد تفرّقها وتأليفها خلقا جديدا, وهو سبحانه يقرر المعاد بذكر كمال علمه, وكمال قدرته, وكمال حكمته, فان شبه المنكرين له كلها تعود الى ثلاثة أنواع: (أحدها): اختلاط أجزائهم بأجزاء الأرض على وجه لا يتميّز ولا يحصل معه تميز شخص عن شخص آخر. (الثاني): أن القدرة لا تتعلّق بذلك. (الثالث): أن ذلك أمر لا فائدة فيه, أو أن الحكمة اقتضت دوام هذا النوع الانساني شيئا بعد شئ, هكذا أبدأ, كلما مات جيل خلفه جيل آخر. فأمّا أن يميت النوع الانساني كله ثم يحييه فلا حكمة في ذلك. براهين المعاد في القرآن مبنيّة على أصول ثلاث( أحدها) تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال في جواب من قال:{ من يحي العظام وهي رميم.قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرة وهوبكل خلق عليم}يس 78-79. وقال:{ وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل.انّ ربك هو الخلاّق العليم.}الحجر 85-86. وقال:{قد علمنا ما تنقص الأرض منهم}ق 4.
(والثاني) تقرير كمال قدرته كقوله:{ أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} يس81. وقوله:{ بلى قادرين على أن نسوّي بنانه} القيامة 4. وقوله:{ ذلك بأن الله هو الحق وأنّه يحيي الموتى وأنّه على كل شئ قدير}الحج6.
ويجمع سبحانه بين الأمرين كما في قوله:{ أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم}يس81.
الثالث: كمال حكمته كقوله:{ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين}الدخان 38. وقوله:{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا}ص 27. وقوله:{ أيحسب الانسان أن يترك سدى} القيامة 36. وقوله:{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق}المؤمنون 115-116. وقوله:{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}الجاثية 21.
ولهذا كان الصواب أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع, وأن كمال الرب تعالى وكمال أسمائه وصفاته تقتضيه وتوجبه, وأنه منزّه عمّا يقوله منكروه كما ينزه كماله عن سائر العيوب والنواقص.
ثم أخبر سبحانه أن المنكرين لذلك لمّا كذبوا بالحق اختلط عليهم أمرهم {فهم في أمر مريج} ق5. مختلط لا يحصلون منه على شئ.
ثم دعاهم الى النظر في العالم العلوي وبنائه وارتفاعه واستوائه وحسنه والتئامه, ثم الى العالم السفلي وهو الأرض, وكيف بسطها وهيّأها بالبسط لما يراد منها وثبّتها بالجبال وأودع فيها المنافع وأنبت فيها من كل صنف حسن من أصناف النبات على اختلاف أشكاله وألوانه ومقاديره ومنافعه وصفاته, وأن ذلك تبصرة اذا تأمّلها العبد المنيب وتبصّر بها تذكر ما دلت عليه مما أخبرت به الرسل من التوحيد والمعاد, فالناظر فيها يتبصّر أولا, ثم يتذكر ثانيا, وأن هذا لايحصل الا لعبد منيب الى الله بقلبه وجوارحه.
ثم دعاهم الى التفكّر في مادة أرزاقهم وأقواتهم وملابسهم ومركبهم وجناتهم وهو الماء الذي أنزله من السماء وبارك فيه, حتى أنبتت به جنّات مختلفة الثمار والفواكه, ما بين أبيض وأسود وأحمر وأصفر وحلو وحامض, وبين ذلك مع اختلاف منافعها وتنوّع أجناسها, وأنبتت به الحبوب كلها على تنوعها واختلاف منافعها وصفاتها وأشكالها ومقاديرها. ثم أفرد النخل لما فيه من موضع العبرة والدلالة التي لا تخفى على المتأمل: { فأحيا به الأرض بعد موتها} البقر164, ثم قال:{ كذلك الخروج} ق 11. أي مثل هذا الاخراج من الأرض الفواكه والثمار والأقوات والحبوب: خروجكم من الأرض بعد ما غيّبتم فيها.
وقد ذكرنا هذا القياس وأمثاله من المقاييس الواقعة في القرآن في كتابنا "المعالم" أنظر أعلام الموقعين عن رب العالمين. بيّنا ما فيها من الأسرار والعبر.
ثم انتقل سبحانه الى تقرير النبوّة بأحسن تقرير, وأوجز لفظ, وأبعده عن كل شبهة وشك, فأخبر أنه أرسل الى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم فرعون رسلا فكذّبوهم, فأهلكهم بأنواع الهلاك, وصدق فيهم وعيده الذي أوعدتهم به رسله ان لم يؤمنوا, وذا تقرير لنبوّة من أخبر بذلك عنهم, من غير أن يتعلّم من معلّم ولا قرأه في كتاب, بل أخبر به اخبارا مفصّلا مطابقا لما عند أهل الكتاب.
ولا يرد على هذا الا سؤال البهت والمكابرة على جحد الضروريات, بأنه لم يكن شئ من ذلك, أو أن حوادث الدهر ونكباته أصابتهم كما أصابت غيرهم, وصاحب هذا السؤال يعلممن نفسه أنه باهت مباهت جاحد لما شهد به العيان, وتناقلته القرون قرنا بعد قرن, فانكاره بمنزلة انكار وجود المشهورين من الملوك والعلماء والبلاد النائية.
ثم عاد سبحانه الى اقرار المعاد بقوله: { أفعيينا بالخلق الأوّل} ق15, يقال لكل من عجز عن شئ: عيي به فلان بهذا الأمر, قال الشاعر عيوا بأمرهم, كما[ u]عيت ببيضتها الحمامة[/u]ومنه قوله تعالى:{ ولم يعيَ بخلقهن}الأحقاف33. قال ابن عبّاس : يريد أفعجزنا, وكذلك قال مقاتل. قلت: هذا تفسير بلازم اللفظة, وحقيقتها أعم من ذلك, فان العرب تقول: أعياني أن أعرف كذا وعييت به اذا لم تهتد لوجهه ولم تقدر على معرفته وتحصيله فتقول: أعياني دواؤك اذا لم تهتد له, ولم تقف عليه. ولازم هذا المعنى العجز عنه. والبيت الذي استشهدوا به شاهد لهذا المعنى, فان الحمامة لم تعجز عن بيضتها, ولكن أعياها اذا أرادت أن تبيض أين ترمي بالبيضة, فهي تدور وتجول حتى ترمي بها, فاذا باضت أعياها أين تحفظها وتودعها حتى لا تنال, فهي تنقلها من مكان الى مكان وتحار أين تجعل مقرّها, كما هو حال من وعى بأمره فلم يدر من أين يقصد له ومن أين يأتيه, وليس المراد بالاعياء في هذه الآية التعب, كما يظنّه من لم يعرف تفسير القرآن, بل هذا المعنى هو الذي نفاه سبحانه عن نفسه في آخر السورة بقوله: {وما مسّنا من لغوب} ق38. ثم أخبر سبحانه أنّهم:{ في لبس من خلق جديد} ق15. أي أنهم التبس عليهم اعادة الخلق خلقا جديدا, ثم نبههم على ما هو أعظم آيات قدرته وشواهد ربوبيّته وأدلة المعاد وهو خلق الانسان, فانه من أعظم الأدلة على التوحيد والمعاد. وأي دليل أوضح من تركيب الصورة الآدميّة بأعضائها وقواها وصفاتها, وما فيها من اللحم والعظم والعروق والأعصاب والرباطات والمنافذ والآلات والعلوم والارادات والصناعات, كل ذلك من نطفة ماء. فلو أنصف العبد لاكتفى بفكره في نفسه, واستدل بوجوده على جميع ما أخبرت به الرسل عن الله وأسمائه وصفاته. ثم أخبر سبحانه عن احاطة علمه به, حتى علم ما توسوس به نفسه, ثم أخبر عن قربه اليه بالعلم والاحاطة وأن ذلك أدنى اليه من العرق الذي داخل بدنه, فهو أقرب اليه بالقدرة عليه والعلم به من ذلك العرق. وقال شيخنا وهو شيخ الاسلام بن تيمية: المراد بقول "نحن" ونحن أقرب اليه من حبل الوريد ,أي ملائكتنا, كما قال: {فاذا قرأناه فاتبع قرآنه}القيامة18. أي اذا قرأه عليك رسولنا جبريل. قال: ويدل عليه قوله: {اذ يتلقّى المتلقّيان} ق17. فقيد القرب المذكور بتلقّي الملكين, فلا حجة في الآية لحلولي ولا معطّل. ثم أخبر سبحانه أن على شماله ويمينه ملكين يكتبان أعماله وأقواله, ونبه باحصاء الأقوال وكتابتها على كتابة الأعمال, التي هي أقل وقوعا, وأعظم أثرا من الأقوال, وهي غايات الأقوال ونهايتها. ...........يتبع........... | |
| | | ملكة الأحزان المدير العام
تاريخ التسجيل : 22/05/2008 عدد الرسائل : 7929 المغرب المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : مغربية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: المغرب الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: سورة "ق" جامعة لأصور الايمان الخميس أكتوبر 09, 2008 8:12 am | |
| القيامة قيامتان: صغرى وكبرى
ثم أخبر عن القيامة الصغرى, وهي سكرة الموت, وأنها تجيء بالحق, وهو لقاؤه سبحانه وتعالى, والقدوم عليه, وعرض الروح عليه, والثواب والعقاب الذي تعجل لها قبل القيامة الكبرى.
ثم ذكر القيامة الكبرى بقوله: {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد} ق20. ثم أخبر عن أخبار الخلق في هذا اليوم, وأن كل أحد يأتي الله سبحانه وتعالى ذلك اليوم ومعه سائق يسوقه, وشهيد يشهد عليه, وهذا غير جوارحه, وغير شهادة الأرض التي كان عليها له وعليه, وغير شهادة رسوله والمؤمنين.
فان الله سبحانه وتعالى يستشهد على العباد الحفظة والأنبياء والأمكنة التي عملوا عليها الخير والشر, والجلود التي عصوه بها, ولا يحكم بينهم بمجرّد علمه, وهو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين.
ولهذا أخبر نبيه أنه يحكم بين الناس بما سمعه من اقرارهم, وشهادة البيّنة, لا بمجرّد علمه من غير بيّنة ولا اقرار؟ ثم أخبر سبحانه أن الانسان في غفلة من هذا الشأن الذي هو حقيق بأن لا يغفل عنه, وأن لا يزال على ذكره وباله, وقال:{ في غفلة من هذا}ق22, ولم يقل عنه, كما قال:{ وانهم لفي شك منه مريب}هود22, ولم يقل في شك فيه, وجاء هذا في المصدر وان لم يجئ في الفعل فلا يقال غفلت منه ولا شككت منه كأن غفلته وشكه ابتداء منه, فهو مبدأ غفلته وشكّه, وهذا أبلغ من أن يقال في غفلة عنه وشك فيه, فانه جعل ما ينبغي أن يكون مبدأ التذكرة واليقين ومنشأهما مبدأ للغفلة والشك. ثم أخبر أن غطاء الغفلة والذهول يكشف عن ذلك اليوم كما يكشف غطاء النوم عن القلب فيستيقظ, وعن العين فتنفتح. فنسبة كشف هذا الغطاء عن العبد عند المعاينة كنسبة كشف غطاء النوم عنه عند الانتباه.
ثم أخبر سبحانه أن قرينه, وهو الذي قرن به في الدنيا من الملائكة, يكتب عمله. وقوله يقول لمّا يحضره: هذا الذي كنت وكّلتني به في الدنيا قد أحضرته وأتيتك به, هذا قول مجاهد.
وقال ابن قتيبة: المعنى: هذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندي. والتحقيق أن الآية تتضمّن الأمرين, أي هذا الشخص الذي وكلت به وهذا عمله الذي أحصيت عليه. فحينئذ قال:{ ألقيا في جهنّم}ق24, وهذا اما أن يكون خطابا للسائق والشهيد, أو خطابا للملك الموكل بعذابه وان كان واحدا. وهو مذهب معروف من مذاهب العرب في خطابها, أو تكون الألف منقلبة عن نون التأكيد الخفيفة, ثم أجرى الوصل مجرى الوقف.
ثم ذكر صفات هذا الملقى فذكر له ست صفات:
(أحدها) أنه كفار لنعم الله وحقوقه, كفار بدينه وتوحيده وأسمائه وصفاته, كفّار برسله وملائكته, كفار بكتبه ولقائه. (الثانية) أنه معاند للحق يدفعه جحدا وعنادا. (الثالثة) أنه مناع للخير, وهذا يعم منعه للخير الذي هو احسان الى نفسه من الطاعات والقرب الى الله والخير الذي هو احسان الى الناس, فليس فيه خير لنفسه, ولا لبني جنسه كما هو حال أكثر الخلق. (الرابعة) أنه مع منعه للخير معتد على الناس, ظلوم غشوم معتد عليهم بيده ولسانه. (الخامسة) أنه مريب, أي صاحب ريب وشك, ومع هذا فهو آت لكل ريبة, يقال: فلان مريب, اذا كان صاحب ريبة. (السادسة) أنه مع ذلك مشرك بالله, قد اتّخذ مع الله الها آخر يعبده, ويحبه, ويغضب له, ويرضى له, ويحلف باسمه, وينذر له, ويوالي فيه, ويعادي فيه, فيختصم هو وقرينه من الشيطان, ويحيل الأمر عليه, وأنه هو الذي أطغاه وأضله. فيقول قرينه: لم يكن لي قوّة أن أضلّه وأطغيه, ولكن كان في ضلال بعيد, واختاره لنفسه, وآثره على الحق, كما قال ابليس لأهل النار: {وما كان لي عليكم من سلطان الا أن دعوتكم فاستجبتم لي} ابراهيم 22.
وعلى هذا, فالقرين هنا هو شيطانه, يختصمان عند الله. وقالت طائفة: بل قرينه ها هنا هو الملك, فيدعي عليه أنه زاد عليه فيما كتبه عليه وطغى, وأنه لم يفعل ذلك كله, وأنه أعجله بالكتابة عن التوبة, ولم يمهله حتى يتوب, فيقول الملك: ما زدت في الكتابة على ما عمل ولا أعجلته عن التوبة: {ولكن كان في ضلال بعيد} ق27. فيقول الرب تعالى:{ لا تختصموا لدي}ق28. وقد أخبر سبحانه عن اختصام الكفار والشياطين بين يديه في سورتي [الصافّات] 27-38, و [الأعراف]37-39. وأخبر عن اختصام الناس بين يديه في سورة [الزمر]56-60. وأخبر عن اختصام أهل النار فيها في سورة [الشعراء] 96-104, وسورة [ص] 59-65.
ثم أخبر سبحانه أنه لا يبدّل القول لديه, فقيل: المراد بذلك قوله:{ لأملأنّ جهنّم من الجنّة والناس أجمعين}هود119. ووعده لأهل الايمان بالجنة, وأن هذا لا يبدل ولا يخلف. قال ابن عبّاس: يريد ما لوعدي خلف لأهل طاعتي ولا أهل معصيتي. قال مجاهد: قد قضيت ما أنا قاض. وهذا أصح القولين في الآية.
وفيها قول آخر: ان المعنى ما يغيّر القول عندي بالكذب والتلبيس كما يغيّر عند الملوك والحكّام. فيكون المراد بالقول قول المختصمين, وهو اختيار الفراء وابن قتيبة, قال الفراء: المعنى مايكذب عندي لعلمي بالغيب. وقال ابن قتيبة: أي ما يحرف القول عندي ولا يزاد فيه ولا ينقص منه. قال: لأنه قال القول عندي, ولم يقل قولي, وهذا كما قال لا يكذب عندي. فعلى القول الأوّل يكون قوله:{ وما أنا بظلاّم للعبيد} ق29, من تمام قوله: {ما يُبدّل القول لديّ} ق29. في المعنى, أي ما قلته ووعدت به لا بد من فعله. ومع هذا فهو عدل لا ظلم فيه ولا جور. وعلى الثاني يكون قد وصف نفسه بأمرين.
أحدهما: أن كمال علمه واطلاعه يمنع من تبديل القول بين يديه وترويج الباطل عليه. والثاني: أن كمال عدله وغناه يمنع من ظلمه لعبيده.
ثم خبّر عن سعة جهنّم وأنها كلّما ألقى فيها فوج: {وتقول هل من مزيد}ق30. وأخطأ من قال ان ذلك للنفي, أي ليس من مزيد, والحديث الصحيح يردّ هذا التأويل. الحديث: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم: "يلقى في النار وتقول هل من مزيد, حتى يضع قدمه فتقول:قط قط" البخاري 8\460 رقم 4848,4849 وكذلك في صحيح مسلم. وعن أبي هريرة يرفعه," يقال لجهنّم هل امتلأت؟ وتقول هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول: قط قط".
الصفات الأربع لأهل الجنّة
ثم أخبر عن تقريب الجنة من المتقين, وأن أهلها اتصفوا بهذه الصفات الأربع:
(الأولى) أن يكون اوّابا, أي رجّاعا الى الله من معصيته الى طاعته, ومن الغفلة عنه الى ذكره. قال عبيد بن عمير: الأوّاب الذي يتذطر ذنوبه ثم يستغفر منها.وقال مجاهد: هو الذي اذا ذكر ذنبه في الخفاء استغفر منه. زقال سعيد بن المسيّب: هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب.
(الثانية) قال ابن عبّاس: أن يكون حفيظا لما ائتمنه الله عليه وافترضه. وقال قتادة: حافظ لما استودعه الله من حقّه ونعمته.
ولما كانت النفس لها قوّتان: قوة الطلب وقوة الامساك, كان الأواب مستعملا لقوة الطلب في رجوعه الى الله ومرضاته وطاعته. والحفيظ مستعملا لقوة الحفظ في الامساك عن معاصيه ونواهيه. فالحفيظ الممسك نفسه عما حرم عليه, والأوّاب المقبل على الله بطاعته.
(الثالثة) قوله:{ من خشي الرحمن بالغيب ق33, يتضمن الاقرار بوجوده وربوبيته وقدرته وعلمه واطلاعه على تفاصيل أحوال العبد. ويتضمن الاقرار برسله وكتبه وأمره ونهيه. ويتضمن الاقرار بوعده ووعيده ولقائه, فلا تصح خشية الرحمن بالغيب الا بعد هذا كله.
الرابعة: قوله {وجاء بقلب منيب}ق33. قال ابن عباس: راجع عن معاصي الله, مقبل على طاعة الله. وحقيقة الانابة عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والاقبال عليه. ثم ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الأوصاف بقوله:{ ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود. لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد}ق 34و35.
ثم خوّفهم بأنه يصيبهم من الهلاك ما أصاب من قبلهم وأنهم كانوا أشد منهم بطشا ولم يدفع عنهم الهلاك شدّة بطشهم, وأنهم عند الهلاك تقلّبوا وطافوا في البلاد, وهل يجدون محيصا ومنجى من عذاب الله؟.
قال قتادة: حاص أعداء الله فوجدوا أمر الله لهم مدركا. وقال الزجاج: طوّفوا وفتشوا فلم يروا محيصا عن الموت. وحقيقة ذلك أنهم طلبوا المهرب من الموت فلم يجدوه.
ثم أخبر سبحانه أن في هذا الذي ذكر:{ لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}ق37.
ثم أخبر أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ولم يمسه تعب ولا اعياء, وتكذيبا لأعدائه اليهود, حيث قالوا انه استراح في اليوم السابع.
ثم أمر نبيه بالتأسي به سبحانه وتعالى في الصبر على ما يقول أعداؤه فيه, كما أنه سبحانه صبر على قول اليهود انه استراح: "ولا أحد أصبر على أذى يسمعه منه".جزء من حديث أخرجه البخاري في الأدب 10/527 رقم 6099, ومسلم في صفات المنافقين 4/2160رقم 51, وأحمد في المسند 4/395, 401,405 جميعا من حديث ابي موسى الأشعري.
ثم أمره بما يستعين به على الصبر وهو التسبيح بحمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وبالليل وأدبار السجود. فقيل هو الوتر. وقيل: الركعتان بعد المغرب. والأول قول ابن عباس, والثاني قول عمر وعلي وأبو هريرة والحسن بن علي واحدى الروايتين عن ابن عباس. وعن ابن عباس رواية ثالثة أن التسبيح باللسان أدبار الصلوات المكتوبات.
ثم ختم السورة بذكر المعاد, ونداء المنادي برجوع الأرواح الى أجسادها للحشر. وأخبر أن هذا النداء من مكان قريب يسمعه كل أحد:{ يوم يسمعون الصيحة بالحق} ق42, بالبعث ولقاء الله:{ يوم تشقق الأرض عنهم} كما تشقق عن النبات, فيخرجون: {سراعا} من غير مهلة ولا بطء: ذلك حشر يسير عليه سبحانه.
ثم أخبر سبحانه وتعالى أنه عالم بما يقول أعداؤه, وذلك يتضمّن مجازاته لهم بقولهم اذا لم يخف عليه, وهو سبحانه يذكر علمه وقدرته لتحقيق الجزاء.
ثم أخبره أنه ليس بمسلط عليهم ولا قهّار ولم يبعث ليجبرهم على الاسلام ويكرههم عليه, وأمره أن يذكر بكلامه من يخاف وعيده فهو الذي ينتفع بالتذكير, وأما من لا يؤمن بلقائه ولا يخاف وعيده ولا يرجو ثوابه, فلا ينتفع بالتذكير. | |
| | | الصقر العراقي المؤسس لمنتديات الواحة
تاريخ التسجيل : 11/05/2008 عدد الرسائل : 17234 تاريخ الميلاد : 22/02/1977 العمر : 47 العراق المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : عراقي الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: العراق الهواية: (0/0)
| | | | ملكة الأحزان المدير العام
تاريخ التسجيل : 22/05/2008 عدد الرسائل : 7929 المغرب المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : مغربية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: المغرب الهواية: (0/0)
| | | | زهرة بلادي كبار الشخصيات
تاريخ التسجيل : 22/06/2008 عدد الرسائل : 2154 تاريخ الميلاد : 02/07/1982 العمر : 42 syria المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : سورية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: الهواية: (50/50)
| موضوع: رد: سورة "ق" جامعة لأصور الايمان الخميس أكتوبر 09, 2008 11:46 pm | |
| جزاك الله كل خير على موضوعك القيم تقبلي مروري | |
| | | حمودة المراقب العام
تاريخ التسجيل : 02/06/2008 عدد الرسائل : 3007 تاريخ الميلاد : 12/10/1978 العمر : 46 سوريا الهواية : الجنسية : سورية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: مهد الحضارات الهواية: (0/0)
| موضوع: رد: سورة "ق" جامعة لأصور الايمان الجمعة أكتوبر 10, 2008 9:52 pm | |
| موضوع طويل وجميل ومفيد صحيح لم اطلع عليه كله ولكن اطلعت وقرات مايكفي مطابقة العنوان والله اعلم
شكرا لكي انسة سنااااء وفقك الله لمرضاته تقبلي مني كل الود | |
| | | ملكة الأحزان المدير العام
تاريخ التسجيل : 22/05/2008 عدد الرسائل : 7929 المغرب المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : مغربية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: المغرب الهواية: (0/0)
| | | | ملكة الأحزان المدير العام
تاريخ التسجيل : 22/05/2008 عدد الرسائل : 7929 المغرب المـــــــزاج : المهنة : الهواية : الجنسية : مغربية الدعــــــــــــــاء :
بطاقة الشخصية البلد: المغرب الهواية: (0/0)
| | | | | سورة "ق" جامعة لأصور الايمان | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| عدد زوار المنتدى |
.: عدد زوار المنتدى :.
|
تدفق ال | |
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية | |
المتواجدون الآن ؟ | ككل هناك 328 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 328 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث لا أحد أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 355 بتاريخ الأحد نوفمبر 10, 2024 1:13 pm |
احصائيات | هذا المنتدى يتوفر على 5859 عُضو. آخر عُضو مُسجل هو adel alalfy فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 82826 مساهمة في هذا المنتدى في 11466 موضوع
|
تصويت | | هل انت صريح في حياتك | نعم | | 59% | [ 141 ] | لا | | 8% | [ 19 ] | احيانا | | 33% | [ 79 ] |
| مجموع عدد الأصوات : 239 |
|
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى | |
|