عندما يعادي الجسم ذاته

عندما يعادي الجسم ذاته

منطق الأشياء هو أن يدافع الجسم الحي عن ذاته فلا هو يقبل الفناء ولا هو يرضى بالأذى لهذا كان لكل جسم حي وسائل دفاعه وهجومه حتى يأكل ولا يؤكل وحتى لا يفنى هو بينما يفني أعداءه المتربسين به إنه قانون البقاء للأقوى والأفضل .

لن نخوض في ذكر الأنياب والمخالب والأشواك والسموم من وسائل دفاع الحيوان وإنما الحديث هو استعراض لما لا تستشعره الحواس ولما لا نراه ولا نسمعه ولا نلمسه ذلك هو الجهاز المناعي للأجسام الحية.

دور الخلايا اللمفاوية:

إن قضية المناعة التي تستهدف الحماية من غزو كل الأجسام الغريبة التي تتربص بالجسم شرا لكي يتمتع هذا الجسم بالوقاية والقدرة على مقاومة الإمراض والعلل تبدأ بخلايا تتخلق في النسيج اللمفاوي يدعونها الخلايا اللمفاوية ولعل أشهر مواقع هذا التخليق هو العقد اللمفاوية والطحال والكبد والرئتان ونخاع العظام, والأخير هو أوسع مواقع التخليق وان لم يكن أهمها فهو أشهرها .

وهذه الخلايا اللمفاوية تتشكل في صورتين اثنتين الأولى منها تمر في غدة في الصدر تعرف باسم التوتة أو الغدة السعترية أو التيموسية والخلايا التي تمر عبرها يدعونها خلايا ( تي اللمفاوية ) وهي تقوم بالفتك بكل ما هو غريب من الجسم وتهلكه وتدمره .

أما الصورة الثانية فهي للخلايا اللمفاوية التي لا حاجة بها إلى التوتة ( الغدد التيموسية ) ولهذا فهي تتخطاها إلى الدم مباشرة تعرف باسم خلايا ( بي اللمفاوية ) وهي التي تتولى مهمة إنتاج الأجسام المضادة وترسلها لتلاحق كل ما هو غريب عن الجسم وهي قابعة في موقعها ومن هنا عرفت خلايا تي اللمفاوية بالشق الخلوي للمناعة بينما عرفت خلايا بي اللمفاوية بالشق الدموي للمناعة .

يفترض في هذا الجهاز المناعي بشقيه ( تي وبي ) أن يدرك الجسم الذي ينتمي إليه وهو ما يعرف بلغة الطب بالذات ويميزه عن ما هو غريب دخيل ويعرف الدخيل طبيا باسم الغير لهذا فوظيفته هي طرد الغير والفتك بما لا يمت إلى الذات بصلة دون إدراك منه وفي الوقت نفسه يستثنى منه عمله الذات وما يمت لها بصلة فلا يؤذيها ولا يدمرها فهو قد وجد ليحميها ويصونها وعمله هذا يسمى المناعة .

غير أن المرض قد يطال هذا الجهاز المناعي أيضا كما يصيب أي عضو آخر أو نسيج وبهذا تتعطل أجهزة اخرا حيوية في الجسم بسبب المرض المناعي .

تعطل جهاز المناعة:

وتعطل جهاز المناعة وإمراضه قد تتشكل في صور شتى وتصيب صاحبها بأكثر من شكل من أشكال المعانات ومن هذه الأعطال:

1- عطل جهاز المناعة وتقاعسه عن القيام بدور المناعة للجسم فيما يعرف ( العوز المناعي ) سواء كان هذا العطل موروث أو كان مكتسبا كما يحدث في مرض الايدز حين تهاجم فيروساته خلايا ( تي اللمفاوية ) و تدمرها وتترك الجسم نهبا لكل ميكروب ضار قويا أو ضعيفا ولا حيلة لمقاومته فيدمر الجسم بالميكروب ومنه عرف مرض الايدز باسم عوز المناعة المكتسبة .

2- خلل في عمل الجهاز المناعي عرفوه باسم الحساسية أو الارجية حيث تسير الأمور على ما يريده الجسم ويشتهي وتتخلق الخلايا المناعية وتنتج الأجسام المضادة لكن اتحادها مع المستضد يؤدي إلى تخّلق مواد جديدة يسمونها الهستامين لها اثر ضار على الأنسجة والأوعية الدموية الشعرية لهذا يعاني صاحبها من الربو أو الأكزيما أو الشرى وما إليه من أعراض عرفوها باسم أعراض الحساسية فالحساسية هي إذا مناعة مقلوبة ومعكوسة

3- فقدان الإدراك المناعي : إن جوهر العمل المناعي هو إدراك الذات والاستدلال على الغير لهذا فالتمييز ما بين الذات وما ينتمي إلى الغير هو المنطلق لمهمة الجهاز المناعي . وهذه هي نقطة البداية لمهمته لكن بسبب ما لا زال مجهولا وقيد الجدل تختلط أوراق اللعب ويعجز الجهاز المناعي عن التمييز بين هذا وذاك ا وان الأمر يختلط عليه فيتوهم في بعض أجزاء الذات أجساما غريبة دخيلة عليه لا مكان لها في جسم صاحبها وتبدأ المأساة التي عرفت باسم أمراض المناعة الذاتية وهي ليست سوى اضطراب في التمييز بين ما هو من صلب الجسم وما هو دخيل عليه وغريب عنه لهذا تبدأ الخلايا اللمفاوية بالتعامل مع ما توهمته غريبا على انه عنصر يتوجب إهلاكه وتدميره أو طرده حتى تستقيم الأمور وتتوافر للجسم أسباب المناعة ومن هنا صرنا نألف أمراضا تنتمي إلى مجموعة أمراض المناعة الذاتية مما لا سبيل لحصرها في هذه العجالة كما إن الأخبار تحمل لنا كل يوم جديدا على القائمة التي تطول يوما بعد يوم .لهذا سنكتفي بعرض أمثلة على ما ذهبنا إليه .

أعراض وأمراض :

1-مرض الروماتويد أو التهاب المفاصل الرثيائي : في هذا المرض تهاجم الأجسام المضادة أجربة المفاصل وغضاريفها فتتشوه وتعتل وتتدمر وتعاني ضحيتها من الم شديد وتشوه قميء وتعوق . يغلب على المفاصل المصابة أن تكون بالأطراف وبخاصة مفاصل اليد وأصابعها

2-مرض شوجرين : وهذا مرض آخر وصفه الطبيب شوجرين عام 1933 مصاحبا لمرض الروماتديد أو التهاب المفاصل الرثيائي وعده من أمراض المناعة الذاتية مما يتميز بجفاف الغدد اللعابية وربما غدد الدمع معها أيضا هذا إضافة إلى جفاف الأغشية المخاطية والجلد .

3-مرض الذئبة الحمراء : هو مرض من أمراض المناعة الذاتية يغلب على النساء أكثر مما يشيع عند الرجال ويتميز بشكلين اثنين احدهما يصيب الجلد بقع حمراء والآخر يصيب الأعضاء الداخلية وبخاصة المفاصل والكلى مع ارتشاح الخلايا اللمفاوية في نسيج الأعضاء الضحية .

ربما يطول بنا الحديث عن أمراض المناعة الذاتية وتفصيلها لكن الإشارة تستحق أن تطرح ولا يصح أن تغفل هي ميل جمهور من الأطباء في يومنا هذا إلى عد مرض السكر من مجموعة أمراض المناعة الذاتية وليس مرضا هرمونيا من أمراض الغدد الصم كما كان سائدا في قناعة الأطباء .