|
صورة بالأقمار الصناعية توضح إيلاج الليل في النهار في شمال أفريقيا وغرب أوربا |
بقلم د. نجاة محمد رشيد رؤوف العبيدي
"يكشف هذا البحث حقائق جديدة في ظاهرة اختلاف الليل والنهار، والتي يعيشها الإنسان يوميا على هذه الأرض، فهي واحدة من اهم الحقائق الكونية التي تشهد على وحدانية الخالق وانه إله كل شيء وخالق كل شيء، يقول تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164].
إن ظاهرة اختلاف الليل والنهار هي نعمة من نعم المولى عز وجل ينبغي التفكر فيها، وهي معجزة إلهية لم يتمكن العلماء من كشف أسرارها إلا في أواخر القرن العشرين، وهذا يشهد على إعجاز هذه الآية الكريمة".
يوجد في القرآن الكريم عدد كبير من الآيات الكونية فيها دلالات بينة على وحدانية الله تعالى وإقامة الحجة على ذلك من خلال التفسير العلمي وهداية للعلماء في أبحاثهم تقودهم إلى الاستنتاجات المقنعة وان الحقيقة الكونية خدمة للبشرية جمعاء تنور طريق الباحثين وتخرجهم من الظلمات إلى النور[1و2 ]، وظاهرة الليل والنهارالتي يعيشها الإنسان يوميٌّا فوق هذه الأرض واحدة من هذه الحقائق الكونية. حقاً، إن القرآن معجزة الدهر، أي معجزة خالدة متجددة يتبين للناس منها على مر الدهور وجه لم يكن تبين وناحية لم يكن أحد يعرفها، فيكون هذا التجدد في الإعجاز العلمي سنداً قوياً للرسالة الإسلامية وكشفاً لكنوز القرآن وبرهاناً على صدق الوحي ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعالمية رسالته. في هذا البحث اود ان ابين الاختلاف بين الليل والنهار في ضوء علم الفضاء، فلو رجعنا لكلام المولى تبارك وتعالى وما ورد عن اختلاف الليل والنهار ذكرها الله في خمس آيات نوردها:
1- (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164].
2- (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190]
3- (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [يونس: 6]
4- (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [المؤمنون: 80]
5- (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الجاثية: 5]
لو تأملنا هذه الايات نجد فيها ارتباط بين اختلاف الليل والنهار والسموات والارض والتي ورد ذكرها في اربعة منها وفيها يخاطب الله سبحانه وتعالى اصحاب العقول والعلماء بأن يتفكرون في هذه الايات ويجدون فيها عظمة الخالق وان هذا الكون لابد من وجود مدبر واحد وقانون واحد يحكمه وهذا عكس ما يدعيه بعض العلماء بفوضوية الكون (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191].
لوصف اي حركة لأي جسم على الاقل هنالك نقطتا مرجع يجب ان تؤخذ بالحسبان، فحركة الارض تقارن بالنسبة للشمس اأو للقمر أو للنجوم...الخ. ففي كل حالة تختلف عن الحالة الاخرى اعتمادا على المرجع الذي تقارن به، فالارض كوكب صغير ويمتلك عدة حركات في هذا الكون الواسع وهو جزء من نظام شمسي الذي يدور حول مجرة حلزونية، والمجرة نفسها في حركة تسارعية الى خارج الكون قال تعالى (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)، ويجدر الاشارة هنا الى ان حركة الارض نسبة للكون صفر اي ان الارض ثابتة نسبة للفضاء الكوني. الفضاء لوحده، مجرد من كل مادة وطاقة، فهو ليس فارغا على اية حال، له كل "قوانين الطبيعة" التي تحكم المادة والطاقة ضمن هذا الكون ان هذه "القوانين" تعتبر الاطار الذي يخلق الفضاء ويعطي هذا الكون شخصيته. فيما يلي ملخص بالعديد من حركات الارض وان هذه الحركات هي نسبة الى اجسام اخرى
* ان الارض تدور حول محورها نسبة للشمس بسرعة 1600 كم في الساعة ويبلغ محيطها 38400 كم وبهذه السرعة تكمل الارض دورة كاملة كل 24 ساعة لذلك فسرعة الدوران هذه في غاية الدقة صنع الله الذي اتقن كل شيء. وان المدار الذي تدور به الشمس يختلف عن المدار الذي تدور به الارض (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40] فسبحان من أنزل القرآن بأعجازه تذكرة لأولي الأبصار... وفيما يلي بعض الايات التي تبين كروية الارض ودورانها حول محورها من خلال الوصف الدقيق لتولد الليل والنهار.
|
دوران الأرض حول محورها نسبة للشمس ينتج عنه الليل والنهار |
(يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً )[الأعراف: 54].
(يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل )[الزمر: 5].
(يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل )[لقمان: 5].
(وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون )[يس: 37].
وقد وضح المفسرون آية الإغشاء بأنه تعالى يجعل زمن الليل وزمن النهار يتعاقبان بسرعة على الأرض، وآية الانسلاخ بأنه تعالى يفصل أو يزيل النهار من الليل فيدخل الناس في الظلام، والتكوير والإيلاج أنه تعالى ينقص في زمن الليل بقدر ما يزيد في زمن النهار، وبالعكس. والايات تشير الى ظلمة الليل ونور النهار [4]
( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) [الليل: 1 ـ 2].
( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ) [النبأ: 10 ـ 11].
( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) [يونس: 67].
وإذا استعرضنا لوازم الليل والنهار في علم الطبيعة نجدها ستة وهي، ظلام الليل ونور النهار، مكان حدوث الليل ومكان حدوث النهار، سبب حدوث الليل وسبب حدوث النهار.
* ان تباطأ حركة دوران كوكب الارض نسبة للشمس، فالكوكب يصبح اكثر مستديرا مما يسبب في انكماش محيط خط الاستواء بشكل تدريجي هذا له تأثيرات عميقة على قشرة الارض ومحيطاتها وجوها بينما يتغير شكل الارض بشكل بطيء يقول تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الرعد: 41] والاية (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ )[الانبياء: 44]. وان سرعة تعاقب الليل والنهار متغيرة مع الزمن، وتبين علمياً أن هذه السرعة كانت عالية عند بدء خلق الأرض، ثم تناقصت بالتدريج مع مرور الزمن، وما زال هذا التناقص مستمراً بسبب ظاهرة المد والجزر. أن طول اليوم على كوكب الأرض يزداد بمقدار (1......... ثانية) كل قرن، وإذا تدبرنا آيات القرآن الكريم نجد إشارة واضحة وصريحة لهذه الظاهرة في هذه الاية: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين)[الأعراف: 54].
* دوران الارض حول الشمس حيث تأخذ الارض 365.25 يوما لاكمال دورة واحدة حول الشمس.
* حركة الارض نسبة الى خلفية النجوم وذلك بترنحه حول محوره وياخذ 26000 سنة لاكمال دورة واحدة.
* حركة الارض نسبة للفضاء نفسه حيث يعتبر ساكنا بالنسبة للكون وهذا ما اشير اليه من قبل العالم مايكلسون اثناء قيامه بتجربة لقياس سرعة الضوء وفي التجارب الاخرى لاوجود لاي حركة بين الارض والفضاء. فيزجيرالد فسر بأن الارض تقلصت فقط بما فيه الكفاية لتعادل حركة الارض المتباعدة خلال الفضاء. اما اينشتاين فجاء بفكرة مختلفة قليلا ولكن الحقيقة المجردة بأن الارض لاتتحرك نسبة الى الفضاء اي ان سرعتها صفر وهذا ما اشار اليه القرآن اذ قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد:2] هذه الآية جاءت لتصف حركة الشمس والقمر معا اي ان السرعة النسبية بينهما صفر فسبحان الله اذا تغيرهذا النظام واصبح هنالك سرعة نسبية بين الارض والشمس لاختل النظام واخذت الارض بالابتعاد عن الشمس واصبحت الحياة على الارض غير ممكنة ولكن برحمة من الله تعالى دبر هذا الكون الى ان تقوم الساعة.
|
صورة للأرض ويظهر فيها الاختلاف بين الليل والنهار |
* يميل محور الأرض بمقدار 23.5 على العمود الرأسي على مستوى مدارها حول الشمس، وميل المحور هو السبب في اختلاف زمن الليل وزمن النهار مما يسبب في حدوث فصول السنة الاربعة، الشتاء والربيع والصيف والخريف.
|
الشكل يبين ميلان الأرض عن محورها بـ 23.5 درجة |
ويقول تعالى في سورة الرعد في وصف المراحل النهائية لخلق الأرض: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )[الرعد: 2 ـ 3].
* كل الكواكب في المجموعة الشمسية تتحرك تقريبا بنفس السرعة المجرية على الرغم من ان كل كوكب له سرعتة الفردية حول الشمس تختلف عن الكوكب الاخر. وكذلك تتذبذب الكواكب في حركتها نسبة للنجوم الاخرى لمجاورة لها اثناء مسيرتها حول درب التبانة.
أن دوران الارض حول محورها ودورانها حول الشمس وميلان محور الارض كل هذه معا كنظام تولد الاختلاف بين الليل والنهار طبقاً للوصف القرآني، أليس هذا إعجاز قرآني.
لقد عكف العلماء والباحثين في مجال دراسة الفضاء على وضع النماذج الرياضية بناءا على المعلومات المأخوذة من الاقمار الصناعية للتنبأ ببعض المعاملات مثل البقع الشمسية والترددات الحرجة للسنوات القادمة وذلك لمعرفة على سبيل المثال مدى التأثير الذي يحدثه النشاط الشمسي على الارض او على رواد الفضاء او على بعض الاقمار الصناعية ومن ثم توخي الحذر واتخاذ ما هو لازم. وبالرغم من ذلك فأن هنالك الكثير والكثير من الامور التي عجز العلماء عن التوصل لتفسير لها كظاهرة الانفجار الشمسي وظهور البقع الشمسية وما يتعلق بها من احداث، لندرك عظمة وقدرة الخالق عز وجل مرة اخرى في تدبير هذا الكون (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَر) [القمر:49،50].
بقلم د. نجاة محمد رشيد رؤوف العبيدي