قال تعالى في سورة النمل : (( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّىإِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَاالنَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُوَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَنِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَصَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَالصَّالِحِينَ * ))
وادي النمل : هو واد بالطائف.
وقيل : بالشام , وتلك النملة كانت رئيسة النمل.
وقولها : ( لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ) يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركباناً ومشاة على الأرض ولم تحملهمالريح ولأن الريح , لو حملتهم بين السماء والأرض لما خافت النملة أن يطأهابأرجلهم.
( عيون الأخبار وعلل الشرايع) بإسناده إلى داود بن سليمان الغازي قال: سمعت علي بن موسى الرضا يقول عنأبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام في قوله تعالى : ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا – لما قالت النملة - : يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ...) الآية . حملت الريح صوت النملة إلى سليمان وهو مار في الهواء والريح قد حملته , فوقف وقال: علي بالنملة.
فلماأتي بها و قال سليمان : يا أيتها النملة أما علمت أني نبي ؟ وأني لا أظلمأحداً ؟ قالت النملة : بلى , قال سليمان (ع) : فلم حذرتهم ظلمي ؟ قالت:خشيت أن ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن ذكر الله تعالى ذكره.
ثمقالت النملة : أنت أكبر أم أبوك داود ؟ قال سليمان : بلى أبي داود , قالتالنملة : فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود ؟ قال: ما ليبهذا علم. قالت النملة لأن أباك داود داوى جرحه بود. فسمي داود وأنت يا بنداود أرجو أن تلحق بأبيك. ثم قالت النملة: هل تدري لم سخرت لك الريح منبين سائر المملكة ؟ قال سليمان ما لي بهذا علم , قالت النملة يعني (ع)بذلك لو سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح. فحينئذ ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا ).
وفي ( تفسير الثعلبي) قالت النملة هل علمت لم سمي أبوك داود ؟ فقال: لا , فقالت لأنه داوىجرحه بود , هل تدري لم سميت سليمان ؟ قال: لا , قالت لأنك سليم وكنت إلىما أوتيت لسلامة صدرك , وأن لك أن تلحق بأبيك.
وروى الطبرسي في ( مشارق الأنوار) : أن سليمان عليه السلام كان سماطه كل يوم سبعة أكرار , فخرجت دابة مندواب البحر يوماً وقالت: يا سليمان أضفني اليوم فأمر أن يجمع لها مقدارسماطه شهراً , فاجتمع على ساحل البحر كالجبل العظيم , أخرجت الحوت رأسهاوابتلعته , وقالت: يا سليمان أين تمام قوتي اليوم ؟ هذا بعض قوتي , فتعجبسليمان وقال لها: هل في البحر دابة مثلك ؟ فقالت : ألف أمة فقال سليمان :سبحان الله الملك العظيم.
وروى غيره: أن سليمان عليه السلام رأى عصفوراً يقول لعصفورته : لم تمنعين نفسك مني؟ولو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيها في البحر ! فتبسم سليمان عليهالسلام من كلامه. ثم دعاهما وقال للعصفور : أتطيق أن تفعل ذلك ؟ فقال لايا رسول الله ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته والمحب لا يلامعلى ما يقول , فقال للعصفورة لم تمنعيه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت يا نبيالله أنه ليس محباً ولكنه مدع , يحب معي غيري. فأثر كلام العصفورة في قلبسليمان وبكى بكاءاً شديداً واحتجب عن الناس أربعين يوماً يدعو الله أنيفرغ قلبه لمحبة الله وأن لا يخالطها بمحبة غيره.
وروي: أنه عليه السلام سمع يوماً عصفوراً يقول لزوجته ادني مني أجامعك لعلالله يرزقنا ولداً ذكراً يذكر الله تعالى فإنا كبرنا. فتعجب سليمان منكلامه وقال: هذه النية خير من ملكي. ومر سليمان عليه السلام على بلبليتصوت ويترقص , فقال: يقول إذا أكلت نصف التمرة فعلى الدنيا العفى.
وقال الثعلبي فيتفسيره : قال مقاتل كان سليمان عليه السلام جالساً , إذ مر به طائر يطوففقال: هذا الطائر يقول السلام عليك أيها الملك المتسلط على بني إسرائيلأعطاك الله سبحانه وتعالى الكرامة وأظهرك على عدوك , إني منطلق إلى فروخي, ثم أمر بك الثانية , وأنه سيرجع إلينا. فنظر القوم طويلاً , فمر بهم ,فقال السلام عليك أيها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكسب على فروخي حتىيشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت فأذن له.
وقال : صاح ورشان عند سليمان عليه السلام , فقال أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا , قال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا.
وصاح طاووس فقال: إنه يقول كما تدين تدان.
وصاح هدهد فقال: إنه يقول من لا يرحم لا يرحم.
وصاح صرد عنده فقال: إنه يقول أستغفروا الله يا مذنبين.
وصاح طوطي فقال: إنه يقول كل حي ميت وكل جديد بال.
وصاح خطاف فقال: قدموا خيراً تجدوه.
وهدرت حمامة فقال: تقول سبحان ربي الأعلى ملأ سماواته وأرضه.
وصاح قمري فقال: تقول سبحان ربي الأعلى.
قال: والغراب يدعو على العشارين.
والحدءة تقول: كل شيء هالك إلا وجهه.
والقطا تقول: من سكت سلم.
والببغاء وهو طائر يقول: لمن الدنيا همه.
والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس.
والباز يقول: سبحان ربي وبحمده.
والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل مكان.
وصاح دراج فقال: إنها تقول: الرحمن على العرش استوى.
( دعوات الراوندي) ذكروا أن سليمان كان جالساً على شاطيء بحر , فبصر بنملة تحمل حبة قمحتذهب بها نحو البحر , فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعةقد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها , فدخلت النملة وغاصت الضفدعة فيالبحر ساعة طويلة وسليمان يتفكر في ذلك متعجباً. ثم أنها خرجت من الماءوفتحت فاها فخرجت النملة ولم يكن معها الحبة. فدعاها سليمان عليه السلاموسألها وشأنها وأين كانت ؟ فقالت : يا نبي الله إن في قعر البحر الذي تراهصخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء وقد خلقها الله تعالى هنالك , فلا تقدرأن تخرج منها لطلب معاشها , وقد وكلني الله برزقها فأنا أحمل رزقها وسخرالله تعالى هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها , وتضع فاها علىثقب الصخرة وأدخلها , ثم إذا أوصلت رزقها إليها وخرجت من ثقب الصخرة إلىفيها فتخرجني من البحر. فقال سليمان عليه السلام : وهل سمعت لها من تسبيحة؟ قالت نعم , تقول : يا من لا ينساني في جوف هذه اللجة برزقك , لا تنسعبادك المؤمنين برحمتك.